منوعات

بين مفاوضات فيينا وزيارة هيل.. مصير الحكومة اللّبنانية والاتفاق النووي واحد

في خضمّ الانشغال الأميركي بقضايا كبرى لا تنحصر فقط في محادثات العودة إلى الاتفاق النووي في فيينا، وإعلان الرئيس جو بادين حالة الطوارئ في مجال الأمن القومي بسبب إجراءات الحكومة الروسية، وإعداد العدّة لمواجهة التحديات التي تمثلها الصين، زار وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل لبنان في رحلة واضحة الأهداف تمّ ترتيبها على عجل عقب الإعلان عن توقيع وزير الأشغال ميشال نجار على تعديل مرسوم حدود المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة. فلم تكتفِ واشنطن بالرسالة التي وجهتها سفيرتها دوروثي شيا، بل ابتعثت هيل ليعرقل تقدّم المرسوم.

لم يكن متوقعاً أن تولي الولايات المتحدة وجهها قِبَل لبنان خلال فترة الـ 100 يوم الأولى من ولاية بايدن، رغم أنّ البلد الصغير كان ولا يزال بحاجة إلى توافق خارجيٍّ ينعكس على الداخل ويدفع باتجاه تشكيل الحكومة ووقف الانهيار الاقتصادي المتسارع. فلماذا الآن؟ 

الجواب يتضح في الكلمة التي ألقاها هيل من على منبر القصر الجمهوري، وهي تختصر الكثير من الأخذ والرّد وتكشف أصل الحكاية. الموفد الأميركي تطرق إلى ثلاثة مواضيع أساسية هي: تشكيل الحكومة، ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، وما وصفه بـ “تكديس حزب الله للأسلحة الذي يقوّض مؤسسات الدولة ويشوّه الحياة السياسية اللبنانية”، كما تحدّث عن تجدّد المفاوضات حول برنامج إيران النووي.

في موضوع الحكومة، الموقف الأميركي بدا مبهماً ولا يحمل أيّ جديد، إذ تحدث هيل عن ضرورة تشكيل حكومة مستعدة وقادرة على عكس مسار الانهيار، من دون أيّ تلميحٍ لشكل الحكومة أو شروط تأليفها. الحقيقة أنّ الموقف الأميركي من موضوع تأليف الحكومة اتضح في الجزء التالي من كلمته والذي قال فيه إنّ “تكديس حزب الله للأسلحة الخطرة والتهريب والأنشطة غير المشروعة والفاسدة الأخرى يقوّض مؤسسات الدولة الشرعية. إنه يسلب من اللْبنانيين القدرة على بناء بلد مسالم ومزدهر”. 

واشنطن لا تريد حكومةً في لبنان يكون حزب الله جزءاً منها، وهو الموقف الذي ترى مصادر خاصة في حديث لـ “أحوال” أنّه لا يحمل أيٍ جديد، ولا يستحق التعاطي معه على محمل الأهمية، ولا سيّما أنّها الزيارة الأخيرة له إلى لبنان بصفته وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، وملف لبنان سيوكل إلى شخصيةٍ جديدةٍ في إدارة بايدن.

هيل تابع كلمته قائلاً: “إيران هي التي تغذّي وتموّل تحدي حزب الله للدولة وهذا التشويه للحياة السياسية اللبنانية. هذا يأخذني إلى موضوع تجديد المفاوضات الأميركية حول برنامج إيران النووي. إن العودة المتبادلة إلى الامتثال للاتفاق النووي مع إيران تصبّ في مصلحتنا وفي مصلحة الاستقرار الإقليمي”، مضيفاً: “فيما نتطرّق إلى العناصر الأخرى لسلوك إيران المزعزع للاستقرار، لن تتخلى أميركا عن مصالحها وأصدقائها في لبنان.” وبهذا يؤكّد الموفد الأميركي أن لبنان ما هو بالنسبة إلى إدارته إلّا ساحة من ساحة المواجهة مع طهران، وأن مستقبل لبنان السياسي يرتبط إلى حدّ كبير بمصير مفاوضات العودة إلى الإتفاق النووي، وأن واشنطن تدعم “أصدقاءها” اللّبنانيين في مواجهة حزب الله الذي “تغذيه” إيران وفق تعبيره. فما تلويحه بعصا الإجراءات العقابية إلّا دعم لمواقف هؤلاء الأصدقاء، وما قوله “يغامرون بعلاقتهم مع الولايات المتحدة” إلّا غمز من باب الاستحقاقات المقبلة.

وعليه، فإنّ أميركا تجدّد التأكيد على أن تشكيل الحكومة في لبنان معلّق حتى يتبيّن مستقبل مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي. أمّا ما جاء به على جناح السرعة إلى بيروت، فهو مصلحة إسرائيل وضرورة حماية هذه المصلحة، ولا سيّما أنّ العلاقة بين واشنطن وتل أبيب لم تكن في أوجّها مع استلام بايدن لمنصبه، وانطلاق المحادثات غير المباشرة في فيينا، ولكن الأكيد أنّ اتفاق “صفر مفاجآت” بين أميركا وإسرائيل الذي يضمن ألّا تفاجئ أي منهما الأخرى بأي خطوةٍ في ما يتعلق بمفاوضات العودة للاتفاق النووي، أعاد تحصين هذه العلاقة، غير أنّ الاعتداءات الإسرائيلية على سفنٍ وناقلاتٍ إيرانية والعمل التخريبي في منشأة نطنز لا تخدم هذه المفاوضات. والأكيد أيضاً أن ما قاله هيل عن استعداد أميركا “لتسهيل المفاوضات بشأن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل على الأسس التي بدأناها في هذه المباحثات” يأتي ليقطع الطريق على تقدّم تعديل المرسوم ويصب قطعاً في صالح إسرائل.

 

آلاء ترشيشي

 

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى