مجتمع

وسط بيروت الازدهار المزيّف… ذاب التلج وبان المرج

في معظم دول العالم تجد قلب العاصمة نابضًا بالحياة ومركزًا للتلاقي بين كافّة أبنائه على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية، وقلب بيروت الذي كان يسمّى ساحة البرج كان يضج بالحياة وكان مركزًا للتلاقي بين اللبنانيين ونقطة جذب للسيّاح  العرب والأجانب قبل الحرب الأهلية عام 1975، ورغم تغيير صورة ودور واسم ساحة البرج إلى الداون تاون بعد الحرب بفعل شركة سوليدير، إلّا أنّ ذلك لم يعطها بهاء ودور ومكانة ساحة البرج، وها هي اليوم في صمت مدقع، فالمحال مقفلة بشكل نهائي، والشوارع خالية إلّا من القطط المشرّدة.

هذا الإقفال التام والكامل للداون تاون يطرح العديد من الأسئلة عن الرؤية الاقتصادية الفاشلة التي بني من أجلها الوسط التجاري، وهل فعلًا ساهم هذا الوسط بشيء في النهضة الاقتصادية للبنان بعد الحرب؟

موضوع الإقفال ليس موضوعًا مفاجئًا إذا ناقشنا العوامل التقنيّة الاقتصادية، والبحث عن الأسعار في وسط بيروت التي كانت معتمدة من قبل شركة سوليدير، أو السياسات الحكومية التي كانت تعتبر الداون تاون لطبقة معيّنة من اللّبنانيين، واستقدامها لماركات عالمية معيّنة، والاعتماد بشكل أساسي على السيّاح والأثرياء اللبنانيين الذين كانوا يشكلون 2% من الشعب اللبناني، يعني مخطط الداون تاون كان يعتمد على هذه النسبة الصغيرة جدًّا من الشعب، الذين كانوا يستفيدون من الفوائد المصرفيّة العالية والتسهيلات المصرفية، والسيّاح الذين كانوا يأتون إلى لبنان ويرون الواقع اللبناني غير الحقيقي في منطقة صغيرة، بأسعار إيجارات مرتفعة وخدمات فندقية باهظة الثمن، ومع نشوب الأزمة اختفى هؤلاء وحلّت الكارثة على الوسط التجاري.

في هذا الإطار يشير الباحث في الشأن الاقتصادي زياد ناصر الدين في حديثه لـ”أحوال” إلى أنّ هذا الواقع كشف الحالة الوهميّة، لأنه من قال أن هذا الوسط التجاري كان يشكّل فورة اقتصاديّة ونقطة جذب لفرص العمل والشركات والاستثمارات؟  لافتًا إلى أنّه شاهدنا الكثير من أعمال البناء في وسط بيروت، لكن هل كان عدد الشركات كافيًا لتغطية هذه المباني لكي تؤمّن بدورها فرص العمل للشعب اللبناني؟ طبعًا لم يحصل ذلك لأننا كنا نعيش في ظل اقتصادي وهمي.

داون تاون بيروت كان من أغلى البقع في المنطقة من حيث ارتفاع الأسعار، ومع التفريغ الاقتصادي الحاصل خلال الأزمة الاقتصادية وانهيار القطاع المصرفي وإغلاق الشركات الكبرى، مترافقًا مع نسبة بطالة مرتفعة وغياب الاستثمار وانهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، أضف إلى ذلك انفجار مرفأ بيروت الذي دمّر المنطقة، مع احتجاجات المجتمع المدني التي حصلت هناك وعمليّات التخريب التي لحقت بالمحال التجارية والشركات، هذه العوامل مجتمعة أدّت إلى هذا الإغلاق الكبير للوسط التجاري.

وشدّد ناصر الدين على أن الداون تاون في بيروت أو الوسط التجاري يجب أن يكون مركز جذب لكلّ القطاعات المحليّة وليس للوكالات الأجنبية، لأن الوكالات الأجنبية تغادر عند أوّل أزمة تعصف بالبلد، ومن هنا يجب على الإنتاج اللّبناني أن يأخذ دوره ويصبح عامل جذب للسيّاح والاستثمارات.

الوسط التجاري في بيروت ضحيّة السياسات الاقتصاديّة الفاشلة والمشاريع الريعيّة التي أرهقت كاهل الدولة لسنوات طويلة، ومع هذا الإقفال تخسر بيروت قلبها الذي كان نابضًا بعض الشيء بعد الحرب، فالمحال أُغلقت بشكل نهائي، تعلوها إعلانات للإيجار، ومن الذي سيستثمر ليرة واحدة في بلد مأزوم سياسيًا واقتصاديًّا وفي منطقة أشبه بمدينة أشباح؟.

 

Photo by: Abbas Salman

Photo by: Abbas Salman
Photo by: Abbas Salman
Photo by: Abbas Salman
Photo by: Abbas Salman
Photo by: Abbas Salman
Photo by: Abbas Salman
Photo by: Abbas Salman
Photo by: Abbas Salman

منير قبلان

باحث قانوني. إعلامي ومعد برامج وتقارير سياسيّة واجتماعية. يحمل شهادة الماجيستير في الحقوق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى