منوعات

ثغرات أفشلت تجربة السدود في لبنان

بعد أشهرٍ من الاحتجاجات على مشروع إنشاء سدّ بسري، والنقاشات المستفيضة حول جدواه وجدوى بقيّة السدود التي أُنشئت في السابق والمتوقّع العمل عليها مستقبلاً، تبدو تجربة إقامة سدَّي المسيلحة وبلعا في قضاء البترون غير مشجّعةٍ في هذا الإطار.

ويُعتبر كلّ من سدّ المسيلحة في مدينة البترون وسدّ بلعا في تنورين، من أحدث السدود التي تُنفّذ في لبنان.

وبمقابل المنافع التي يتحدّث عنها البعض، يتحدّث آخرون عن مدى خطورة وسلبيّة هذه السدود، وعن أثرها على البيئة، وعن هدر أموالٍ عامّة، كان من الممكن استثمارها في مشاريع زراعيّةٍ مفيدةٍ للمنطقة وأهاليها.

على الصعيد الجيولوجي، وفي الحديث عن أيّ سدّ، هناك عناصر ثلاثة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وهي:

  • العنصر البيئي ECOLOGIQUE.
  • تسرّب المياه في جوف الأرض INFILTRATION.
  • الفرق في الارتفاع ما بين النقطة التي تخزّن المياه، والنقطة التي يتمّ فيها إنشاء معمل الطاقة DENIVELATION.

 

سدّ المسيلحة

لقد حلّ سدّ المسيلحة محلّ سهلٍ زراعيّ، فقضى على معظم مساحته.

وبالنسبة لمستوى العلوّ، فهو لا يتجاوز ال 40 متراً عن سطح البحر، إذاً، فهو ليس بالارتفاع المطلوب لتوليد الطاقة الكهربائيّة.

حتّى بالنسبة لعمليّة الريّ، فستتمّ عبر الضخّ، وهذه العمليّة تحتاج إلى طاقةٍ وتكلفةٍ إضافيّة. فعمليّاً، يستطيع السدّ إيصال المياه إلى بعض مناطق مدينة البترون عبر قناة مياه، لكن لا يمكنه ريّ المناطق الموجودة فوق قناة المياه عبر الجاذبيّة، ما سيؤدّي إلى ريّها عبر تقنيّة الضخّ.

أمّا الثغرة الأساسيّة في سدّ المسيلحة، فهي أنّه أُقيم على ما يسمّى “فالق تنورين”، أي أنّه، وفي أيّة ساعةٍ يتحرّك فيها الزلزال الذي يضرب من اليمّونة مروراً بتنورين وصولاً إلى ساحل البترون، أي منطقة كُبّا، فإنّ السدّ سيُشقّ فوراً.

وفي حال لم يحدث الزلزال، هناك خطأ فاضح في تكوين السدّ: فمن جهته الجنوبيّة، أي من جهة “قرنعون”، تختللبنان

ف الطبيعة الجيولوجيّة للمنطقة عن الجهة الشماليّة للسدّ، أي جهة كُبّا. فالجهة الجنوبيّة، مكوّنة من نوعيّة صخورٍ مائلةٍ باتّجاهٍ جنوبيٍّ غربيٍّ وانحناءٍ نحو سطح البحر، بالتالي تتسرّب منها المياه وتغذّي الينابيع الجوفيّة الموجودة على شاطئ البترون. أمّا الجهة الشماليّة، فتتكوّن من تربةٍ صلصاليّةٍ لا تشرب المياه، وبالتالي تحفظها.

نضيف إلى ذلك أنّه، تبعاً لتخمينات اختصاصيّين، فإنّ كلفة السدّ تضاعفت عن الكلفة الحقيقيّة، وأنّ الجهة الجنوبيّة قد رُشّت بالباطون بكميّاتٍ قليلة، وكأنّنا نقوم بتلييس بناءٍ ولسنا نعمل على سدٍّ يحمل ملايين الأمتار المكعّبة من المياه.

وإذا كان هناك من إيجابيّةٍ واحدةٍ لهذا السدّ، فهي أنّه يشكّل واحةً من المياه من الممكن أن تُقام بعض الأماكن السياحيّة من حولها.

سدّ بلعا

أمّا سدّ بلعا الذي لا زال العمل فيه مستمرّاً، فعدا عن الأثر البيئيّ له، من جهة تدمير معالم طبيعيّةٍ يعود تكوّنها إلى ملايين السنين، فقد صرّح مهندس فرنسيّ مختصّ بأنّه في حال تمّ اللجوء إلى تقنيّة ضخّ نوعيّةٍ معيّنةٍ من الباطون INJECTION داخل التشقّقات، فإنّ هذا الأمر يتطلّب كميّةً كبيرةً من الباطون وكلفتها مرتفعة جدّاً. وبالتّالي، ففي حال تمّ العمل على تسكير البواليع الكثيرة الموجودة في تلك البقعة، فإنّ الباطون سيصل إلى عمقٍ معيّنٍ ولا أحد يعلم مدى الفراغات بعد هذا العمق. مع التأكيد على أنّ هناك مغاور جوفيّةً كثيرة. وهذه المغاور، التي ستحمل أطناناً مضاعفةً على سقفها من الباطون المُضخّ، إضافةً إلى الأطنان من المياه، ستنهار أسقفها حتماً، وبالتالي سينفلش السدّ، خاصّةً وأنّ المنطقة بين بلعا ومعمل تنورين للمياه، منطقة تزحل فيها الأرض ولا تتحمّل ضغط ملايين الأطنان.

الجدير بالذكر أنّ القائمين على سدّ بلعا كانوا قد حاولوا استقدام الصخور من منطقة فغري (المجاورة لبلعا)، وهذا ما لم يحصل نتيجة احتجاجات الأهالي. وبعدها حاولوا جلب صخورٍ من دوما، وهذا ما لم يسمح به أيضاً أبناء المنطقة. وبذلك، فالعمل متوقّف منذ فترةٍ في هذا السدّ نتيجة العراقيل المذكورة؛ إضافةً إلى أنّ المتعهّد لم يحصل على الأموال الإضافيّة التي تخطّت السقف التمويليّ المتّفق عليه.

ونظراً إلى ما تقدّم، هل سيبدأ العمل في سدٍّ جديدٍ قد تكون أضراره على البيئة والتراث والمال العامّ أكثر بكثيرٍ من جدواه الاقتصاديّة والتخزينيّة؟

ربيع داغر

 

ربيع داغر

صحافي وكاتب لبناني. كتب في عدد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية اللبنانية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى