منوعات

موظفون يتخلّون عن وظائفهم: أين وعود النقل العام؟

جنون ارتفاع أسعار المحروقات متواصل في لبنان، وفي سابقة تاريخية تخطى سعر صفيحة البنزين الحد الأدنى للأجور للمرة الأولى منذ بدء الأزمة الاقتصادية، حيث وصل إلى 685 ألفاً وسط توقعات بتخطيها عتبة المليون ليرة، فيما يبلغ الحد الأدنى للأجور 675 ألف ليرة، ما يزيد من معاناة المواطن في البلد الغارق بالأزمات.

ومع هذه المستويات الجديدة للأسعار، تضع كلفة التنقل عبئا كبيراً على المواطن، ما دفع العديد من اللبنانيين القاطنين خارج العاصمة ويعملون في بيروت التخلي عن وظائفهم، فمهما حاول أصحاب العمل رفع رواتب الموظفين لمواكبة الغلاء، تبقى زيادة التكاليف الفائزة في السباق، فكيف لو كانت الرواتب على حالها منذ ما قبل الأزمة؟

تقول ندى، وهي موظفة في إحدى المؤسسات الاجتماعية، لـ”أحوال.ميديا”: “قررت ترك عملي منذ شهر بعد أن تخطى سعر صفيحة البنزين إلى 400 ألفاً، فأنا مازلت أتقاضى مليون وخمسمائة ألف ليرة ولم أحصل على أي زيادة على بدل النقل أو على الراتب منذ بداية الأزمة لأن إمكانيات المؤسسة لا تسمح لها”.

ندى، التي تسكن في منطقة بشامون، تذهب يومياً إلى عملها في بيروت وتدفع 170 ألف ليرة ثمن البنزين ذهاباً وإياباً فيما لا تتخطى “يوميتها” الـ 75 ألفاً.
تقول بحسرة “بدل النقل الشهري لا يكفيني لأيام معدودة، وراتبي أصبح معدوماً أمام نسب الغلاء والتضخم لذلك قررت البقاء في المنزل”.
حال محمد ليس أفضل من ندى، فهو بدوره اضطر الى التخلي عن عمله بسبب غلاء البنزين.

يعمل محمد في محل للألبسة في منطقة الحازمية ويسكن في صيدا، يتقاضى شهرياً 4 ملايين ويدفع يومياً لسائق “الفان” 120 ألفاً ذهاباً وإياباً، ولأن راتبه بالكاد يكفي أجرة المواصلات ومصاريف الطعام، قرّر بدوره التوقف عن العمل.

والمعاناة لا تنحصر بالمواطنين، فارتفاع تعرفة وسائل النقل ينعكس أيضاً على سائقي السيارات العمومية، الذين حصروا عملهم في مناطق محددة.

من غير المتوقع أن تسجّل أسعار المحروقات تراجعاً ملحوظاً في المدى المنظور، فارتفاع الأسعار أو انخفاضها يتوقف على عاملي سعر النفط العالمي وسعر الدولار مقابل الليرة في لبنان، هذا ما أكده الباحث الاحصائي عباس الطفيلي.

ارتفاع أسعار المحروقات يجعل التنقّل في السيارات الخاصة مكلفاً جدّاً وربّما غير ممكن للبعض، في ظلّ عدم توافر نظام للنقل العام”، بحسب الطفيلي.

ويضيف “أتى هذا الارتفاع في الاسعار ليلقي الضوء على مشكلة متجذرة لطالما عانى منها لبنان وهي غياب شبه كامل لنظام نقل مشترك مستدام ومنظّم ومتطور لقطاع النقل العام، الذي يعاني كما غيره من القطاعات في لبنان من الفساد والإهمال، ما يحول دون قدرة اللبنانيين خاصة من محدودي الدخل على ممارسة حياتهم العادية والتنقل”.

ويشير الطفيلي إلى أن “حكومات لبنان لم تعمد منذ 30 عاماً أي سياسة دعم تساهم في تعزيز النقل المشترك بل استمرت في سياسة دعم البنزين حتى استنزفت قدرات المصرف المركزي، في وقت لطالما طالبنا بترشيد الدعم”، متسائلاً “وفق أي منطق يتم دعم المحروقات للفقراء والأثرياء في ذات الوقت؟”.

ورفم كل السوداوية التي تلف الحكومات المتعاقبة، يرى الطفيلي أنه “لمسنا نقطة ايجابية في حكومة تصريف الاعمال مع الوزير على حمية بعد أن أقرّ واعترف بوجوجد أزمة نقل في لبنان بخاصةٍ أن أسعار المحروقات ترتفع فيما يعجز الناس عن الوصول إلى أعمالهم”.
وختم الطفيلي “خلال العام الماضي وصلت كلفة دعم المحروقات من مصرف لبنان إلى حدود المليار و800 مليون دولار، ولو كان لدى الدولة النية حينها لاستطاعت القيام بأفضل مشروع نقل عام، لكنها لا تريد ذلك”.

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى