بين التكليف والتشكيل … الثورة في همود حذر
خفّ ضجيج وصخب الثورة اللبنانية، التي وعند انطلاقتها، كانت عابرة للمناطق والأديان. وشكّل مشهد الساحات المزدحمة بالأعلام اللبنانية دون سواها، بارقة أمل لدى اللبنانيين بغالبيتهم، نحو غدٍ أفضل. وبعد مسيرة نضال استمرت لأكثر من سنة، وعلى الرغم من الوضع الاقتصادي المنهار والذي تدحرج ككرة الثلج، أصبح دينامو الشارع الثوري ساكناً إلاّ بعد حصول بعض الأحداث الإستثنائية. فما هي الأسباب؟
الثورة في حكم الغائبة
لم تشعل عودة الرئيس سعد الحريري إلّا مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيّما تلك التابعة لمجموعات الثوار. لكن فعليًّا، تُعتبر الثورة في حكم الغائبة عن كل ما يحصل في الفترة الأخيرة، حيث تجري رياح السياسة بما لا تشتهي سفن مطالب الثوار الأساسية. والمقصود هنا، أنّه وبعد أن شهد العالم أجمع على أحقّية المطالب، المندّدة بتبعية المنظومة الحاكمة للخارج وإملاءاته، والهادفة إلى استقالة الرؤساء الثلاث ومحاسبة الفاسدين، واستعادة الأموال المنهوبة… برز داخليًّا كباش النفوذ الخارجي، فارضًا مهلاً زمنية علنية وخطوات محدّدة على الحكام الإلتزام بها من جهة، فيما إستُئنفت الصراعات الحزبية من جهة ثانية، من أجل تسمية الأشخاص لتولّي الحقائب الوزارية في الحكومة المنتظر تأليفها، على قاعدة موازين القوى السياسية.
كل هذا يثبت بأنّ ذهنية الحكم والحكام في لبنان راوح مكانك. فالمحسوبيات والمحاصصات والتسويات تفاقمت، فيما استنزفت الملفات والأزمات الحياتية والمعيشية كل مقوّمات الصمود لدى اللبنانيين، حيث فاقت نسبة البطالة الـ 50%، وطالت نسبة الهجرة الـ 40%..
الثورة في همودٍ حذر
يؤكّد عضو هيئة تنسيق الثورة عن العسكريين المتقاعدين العميد الركن المتقاعد جورج نادر لموقع “أحوال”، أنّ سبب همود الثورة لا يعني انكفاءها وتراجعها عن مطالبها، بل السبب هو التوصّل إلى قناعة لدى الثوار، بأنّ أهدافهم لن تتحقق إلّا من خلال طرح البديل الجاهز لهذه السلطة، ومن خلال تشكيل قيادة موحّدة، وهيئة تنسيقية تنظم التحركات الميدانية لكافة المجموعات. وفي هذا الإطار، يشير العميد جورج نادر، إلى أنّ التواصل مستمر وإيجابي بين مجموعات الثوار التي تعقد إجتماعات دورية، في محاولة جدّية لإعادة إحياء الثورة ضمن جبهتين أو ثلاثة.
لن تشارك الثورة في حكومة يرأسها الحريري
إنّ ثورة 17 تشرين، التي أدّت إلى استقالة الرئيس سعد الحريري، لا تطمح للمشاركة في حكومة يرئسها الحريري نفسه. وبرأي العميد الركن المتقاعد جورج نادر، الحريري أحد أركان المنظومة الفاسدة، وهم حريصون كل الحرص على حماية بعضهم البعض وصندوقهم الأسود هو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
من هذا المنطلق، وفي حديث لموقع “أحوال”، يشدّد الصحافي والناشط المدني جوي حداد، وهو من مجموعة “الشعب يريد إصلاح النظام”، على أنّ أي شخص يرضى بتولّي حقيبة وزارية موكلة للثورة في حكومة الرئيس سعد الحريري، سيطعن الثوار بالظهر، لأنّه سيخونهم في المبدأ. ويسأل حداد، كيف يُمكننا أن نثق بمنظومة طاغية، مارست الإجرام في الحرب، وسرقت الدولة في السلم، وأساءت لشعبها وهجّرته؟
التأخير في التشكيل
باتت مشاركة الثورة وجلوسها على طاولة واحدة مع الطبقة الحالية أمراً مستحيلاً. ويضيف الثوار إلى لائحة إخفاقات الطبقة الحاكمة، إخفاقها وفشلها في تلميع صورتها وترميم جسمها المهترئ. فقد أصبح اليوم الصغير والكبير و”المقمط بالسرير” على علم، بأنّ هذه الطبقة قد أفقرت الشعب، وسرقت جنى عمره، وفجّرت عاصمته، ولم تترك شنيعة إلّا وارتكبتها…
من وجهة نظر الثوار، إنّ التأخير في التشكيل الحكومي ناتج عن إختلاف القوى السياسية على حصصهم فقط، وليس لأسباب أخرى ذات أهمية. وهذا التأخير يأتي في سياق إنجرار المسؤولين وراء مصالحهم الخاصة وحساباتهم الشخصية، كما جرت العادة، بدل الإسراع في تلبية ما فيه مصلحة الوطن والمواطنين.
وتقول الثائرة المحامية فرانسواز كامل لموقع “أحوال”، إنّ الثورة لن تقبل بتشكيل حكومة إختصاصيين مستقلين تسمّيهم الأحزاب. لأن هذا يعني خضوعهم حكمًا لمن أتى بهم، وسيقومون بتطبيق قرارات حزبية، وبالتالي لن يتمكّنوا من تحقيق الإصلاحات المطلوبة.
لا تراجع عن الثوابث
تتمسّك الثورة بمبادئها ومطالبها الرامية إلى تشكيل حكومة إختصاصيين مستقلّين؛ مهمّتها محاسبة الفاسدين، واسترجاع الأموال المنهوبة، وإقرار استقلالية القضاء، وإنجاز الإنتخابات المُبكرة. هذا فضلًا عن الإصلاحات، التي من شأنها حلّ الأزمات الحياتية والمعيشية، التي أرهقت كاهل المواطن اللبناني.
ولا صحة لكل ما يشاع عن أهداف تسعى الثورة لتحقيقها بعيدًا عن هذه التطلعات. وفي هذا السياق، يحذّر الثائر علي شهلا، عبر موقع “أحوال”، من وجوب التمييز بين الثوار الحقيقيين، والثوار الذين تمكّنت الأحزاب السياسية من إغوائهم بحقيبة وزارية أو بمقعد نيابي في المرحلة المقبلة. إذ طغت الأنا عند بعض الثّوّار، أو الأصحّ الذين يدّعون بأنّهم ثوّار، لأنّ هؤلاء لا يمثّلون الثّوّار ولا ينتمون إلى ثورة 17 تشرين.
ويناشد شهلا الشعب اللبناني القابع في السكوت بالإنضمام إلى الثورة. فالثوار قد تلقّوا الرصاص في صدورهم، والبعض منهم فقد أعينه، ومنهم من استشهد. ولا ننسى كيف أُخترقت الثّورة “بالمرتزقة المأجورين الذين عمدوا إلى تكسير وحرق الممتلكات، لينسبوا ذلك إلى الثّورة ولإضعاف عزيمتها.”
ناريمان شلالا