منوعات

مولدات الكهرباء الخاصة: فاتورة تكتم جيوب.. وأنفاس اللبنانيين

بقلم فالنتين نسر
منذ الثمانينيات من القرن الماضي، يعتمد اللبنانيون بشكل كبير على المولدات لسد حاجتهم من التيار الكهربائي، بسبب عجز الدولة اللبنانية وتحديداً مؤسسة كهرباء لبنان، عن تأمين التغذية لـ 24 ساعة يومياً فباتت تنتشر المولدات في كل شارع وحي.

ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان وغياب الكهرباء بشكل أكبر باتت المولّدات تُشغَّل لمدّة تتراوح بين 10 و15 ساعة يومياً، وهذا الأمر يزيد من نسبة تعرُّض السّكان لملوّثات خطيرة في الهواء بنحو 5 أضعاف الرّقم القديم.

في دراسة لنجاة عون صليبا، مديرة مركز حماية الطّبيعة وأستاذة مادّة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت، تكشف أن نسبة الملوثات السرطانية التي تنتج عن المولدات، تجاوزت اليوم الـ 300 بالمئة.

تعاني كوزيت، التي تقطن بجوار مولد كهربائي من مشكلة الربو وبسبب الدخان المنبعث، وتكاد تختنق من تنشق هذا الهواء السام، بالمقابل، يلاحظ جوزيف، الّذي يوجد بجاوره عدة مولّدات، وجود طبقة سوداء من الغبار في السماء حيث يعيش.

ويخشى حسين الذي يسكن في الضاحية الجنوبية من بيروت، حيث يوجد ضغط سكاني هائل، الإصابة بمرض السرطان الذي يفتك بآلاف اللبنانيين سنوياً، جراء تلوث الهواء بسبب الانبعاثات الصادرة عن المولدات الكهربائية المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة وخصوصاً في مدينة بيروت وضاحيتها.

ويقول مدير كلية الكيمياء بجامعة القديس يوسف، البروفيسور شربل عفيف لـ”أحوال” أن “تلوث الهواء يأتي من عدة مصادر منها الطبيعية كالعواصف الرملية أو بشرية ويكون مسؤول عنها الانسان”.

ويوضح أن “التلوث لا يبقى في مكان واحد بل ينتقل ويسافر عبر مسافة يمكن أن تكون صغيرة أو كبيرة أي آلاف الكيلومترات ويمكنه الإنتقال من قارة لقارة أخرى”.

ويشير عفيف إلى أن “التلوث يؤثر بالدرجة الاولى على صحة الناس وحسب الدراسات ان تلوث الهواء يصيب كل جسم وأعضاء الإنسان، مثل الشرايين والرئتين والجنين حسب دراسة تمت بين الجامعة الأميركية واليسوعية في لبنان”.

ويضيف “تصدر المولدات ملوثات كثيرة، نشرنا عدة دراسات عن ذلك وقمنا بقياس أكثر من مئة ملوث ينبعث من الموتيرات، منها ملوثات غازية وأخرى كالغبار الذي يكون قياسه صغير جداً أي لا يُرى بالعين المجردة، لكن تكدسه وتراكمه بكثرة يجعلنا نراه في الهواء على شكل لون أسود. ويحمل ملوثات قسم كبير منها مسرطن وعند تنشقها تدخل الجسم الذي لا يستطيع ان يفلترها وتبقى داخل الجسم بنسبة 90%”.

وتكمن مشكلة المولدات، حسب عفيف، “بتواجدها بين الأحياء والبيوت المأهولة في العاصمة والتي ازداد عددها في الآونة الأخيرة خلال أزمة انقطاع الكهرباء المتواصلة. ومن ناحية أخرى أن هذه المولدات ليس فيها عوادم (دواخين) عالية والتي يجب أن تكون أعلى من مستوى الأبنية ولا تمتلك أيضا فلاتر للتخفيف من التلوث، ما يجعل الدخان الذي يصدر عنها يعلق فوق الأبنية ولا يستطيع التشتت ويدخل مباشرة إلى بيوت السكان ويتنشقونها بشكل أكبر، حتى لو تمّ إغلاق جميع الشرفات. هذا ومع العلم أن وزارة البيئة قامت بتحديث القوانين المتعلقة بالمولدات في شهر شباط 2022”.

وقدرت كلفة التدهور البيئي الآتية فقط من تلوث الهواء بحوالي مليار دولار في السنة، في عام 2018. كما ويتبوأ لبنان المرتبة الأولى في الوفاة بالمرض الخبيث بين دول غرب آسيا ويحتل المرتبة الأولى نسبة لعدد السكان حسب دراسة أعدتها منظمة الصحة العالمية عام 2018.

وتعد المولدات الخاصة واحدة من أكبر الملوثات، لأنها تقع في المناطق السكنية ولديها إمكانات أكبر لإحداث مشاكل صحية للسكان، حيث يبلغ تلوث الهواء في بيروت بحسب موقع pollution alert الذي يراقب مدى نسبة التلوث على مدار اليوم حوالي 83%.

وكان قد صدر عن وزارة البيئة قانون ينص على مراقبة تشغيل المولدات الكهربائية واستثمارها، ويحدّد الشروط الفنية المطلوبة والضروريّة لكلّ مولّد، منها تزويده بنظام فعّال لمعالجة الملوّثات الهوائيّة، وصيانته بشكل دائم لكن لا يوجد التزام فعلي بهذا القانون ولم يطبق بشكل كامل خصوصاً ان شريحة كبيرة من مشغلي المولدات تابعة لجهات حزبية ولا تستطيع الدولة أن تتولى زمام الامور معها.

وبعد
إضافةً لكلفة الفاتورة المالية للحصول على الكهرباء من هذه المولدات، من يتحمل الفاتورة الاستشفائية وتعثر حياة الناس ومستقبلها ومشاكل وأزمات الصحة عند الأطفال؟ ومن يرسم مستقبل أفضل لحياة السكان وهم في منازلهم ويتعرضون لهذا الكم الهائل من التلوث؟
الصورة قاتمة والمصيبة تقع على رؤوس الجميع.. والمافيا ما زالت متحكمة.

 

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى