انتخابات

الأحباش والجماعة بين إثبات الوجود وطموح ملء الفراغ السنّي

عندما أعلن الرئيس سعد الحريري إنسحابه وتيّار المستقبل من المشهد السياسي والإنتخابي، وتلاه إعلان الرئيس نجيب ميقاتي عزوفه عن الترشّح للإنتخابات النيابيّة المرتقبة في 15 أيّار المقبل، في موازاة إعلان كلّ من الرئيسين فؤاد السنيورة وتمّام سلام عزوفاً مماثلاً، في قرار بدا منسّقاً من حيث الشكل بين أعضاء نادي رؤساء الحكومات السّابقين، وقبلهم أعلن النائب السّابق محمد الصفدي والنائبان الحاليين سمير الجسر ونهاد المشنوق أنّهم لن يخوضوا غمار الإنتخابات النيابيّة، بدت السّاحة السنّية خالية فجأة من أقطابها ومن بعض أبرز وجوهها الذين تصدّروا المشهد السّياسي فيها طيلة نحو عقدين من الزمن.

ومع أنّ وجوهاً سياسية سنّية بارزة لم تعلن العزوف والإنسحاب، وترشّحت لخوض الإستحقاق الإنتخابي، كالنواب فيصل كرامي في طرابلس وجهاد الصّمد في الضنّية وفؤاد مخزومي في بيروت وأسامة سعد في صيدا وعبد الرحيم مراد في البقاع الغربي، والنائب السّابق طلال المرعبي في عكّار، إضافة إلى نوّاب حاليين وسابقين وشخصيات تدور في فلك تيّار المستقبل لم يلتزموا قرار الحريري الإنسحاب وعدم الترشّح، كالنائبين وليد البعريني ومحمد سليمان، والنائبين السّابقين خالد الضاهر ومصطفى علوش وغيرهم، فإن معظم هؤلاء زعامات محلية وأبناء بيوتات سياسية متجذّرة في مناطقها، وليست عابرة لمناطقها ودوائرها الإنتخابية كما الحال بالنسبة لتيّاري المستقبل والعزم.

من هنا توجّهت الأنظار إلى جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) والجماعة الإسلامية (إخوان لبنان) دون غيرهما من القوى السّياسية والإسلامية، لما لهما من إمتداد وحضور في معظم المناطق والدوائر ذات الغالبية السنّية، لمعرفة مدى استعدادهما وقدرتهما على ملء الفراغ، وتعويض غياب قطبي السّاحة السنّية عن المشهد الإنتخابي والسياسي.

القيادي في جمعية المشاريع والمرشّح على لائحتها في دائرة بيروت الثانية أحمد دبّاغ أوضح لـ”احوال” أنّه “نحن لا نتأثر بحضور أحد أو غيابه عن السّاحة السنّية واللبنانية، إنّما نحضّر حملتنا الإنتخابية على أساس ثقة جمهورنا بنا، لأنّ عزوف الحريري وقيادات سنّية أخرى أمر يعود إليهم وله معنى هم أدرى به، لكنّ الطائفة السنّية أكبر من أن تكون ملك شخصية سياسية واحدة، لأنّها الأمّة”.

وأكّد دباغ أن المشاريع “لا تخوض الإنتخابات مستغلة الدم والتحريض، برغم أنّ أغلب القوى السياسية تخوض الإنتخابات وهي ترفع شعارات التحريض، وتضع أمام جمهورها خصم واحد تدعو للإقتصاص منه، وهذا خطأ كبير، إذ علينا أن نقدّم مشروعاً للوطن، وأن لا نفكّر في كلّ دول العالم إلا لبنان، الذي لا يوجد فيه كهرباء ولا بنى تحتية ويعاني من أزمات حادة إقتصادياً وإجتماعياً ومعيشياً ويريد البعض فيه أن يتدخل في شؤون المنطقة والعالم، بينما المطلوب هو أن نعمل لمصلحة الوطن حتى لا نخسره. لقد ورثنا عن أجدادنا وآباءنا وطن لا بأس به، لكن إذا استمرينا على هذا المنوال فسوف نسلم أولادنا وأحفادنا أنقاض وطن”.
ورأى دبّاغ أنّ “الطائفة السنّية عصية على الإحباط أو أن تكون طائفة هامشية، نحن عصب في كلّ الدوائر الإنتخابية، ونشجع على مشاركة الناخبين في الإنتخابات النيابية، واختيار من يرونه مناسباً، وأن يتحمّلوا مسؤولية هذا الإختيار”.

ورأى أنّ “على الأحزاب والتيّارات والقوى السياسية أن تقوم بمراجعة نقدية لها، لأنّه بعد 17 تشرين الأول 2019 لا يمكن التفكير والسير والعمل بالأسلوب نفسه”.

وشدّد دبّاغ أنّه “نحن لا ندّعي أننا بديل من أحد، فضلاً عن أنّه لا قدرة لنا على أن نحمل البلد وكرة النّار والكوارث فيه، بل يجب تكاتف كلّ القوى من أجل النهوض بالبلد من كبوته”، لافتاً إلى أنّ “القول بأنّ جمعية المشاريع أو الجماعة الإسلامية، أو أيّ طرف إسلامي آخر، سيملأ الفراغ بعد انسحاب الحريري وعزوف ميقاتي هو أمرٌ يستفز ويخيف الطائفة السنّية، إذ سيقال إنّ غياب المعتدلين سيملأه متطرفون، من هنا نشدّد أنّه لا أحد بديل عن أحد، وأنّ كلّ طرف له خصوصيته”.

في المقابل، تطمح الجماعة إلى ملء الفراغ، ما أمكنها ذلك. وكشفت مصادر في الجماعة لـ”أحوال” أنّ “غياب المستقبل عن الحلبة يعطينا الأمل في أن نكون القوة البديلة فنملأ الفراغ ونمنع الآخرين من التسلل والدخول إلى السّاحة السنّية، فيصبح قرار السنّة تابعاً لقوى أخرى، مثل حزب الله والقوات اللبنانية والتيّار الوطني الحرّ”.

وضمن هذا السياق، أكّد المسؤول السّياسي للجماعة الإسلامية في الشمال إيهاب نافع لـ”أحوال” أنّه “نحن لن نحلّ مكان الرئيس سعد الحريري وتيّار المستقبل، ولا مكان الرئيس نجيب ميقاتي وتيّار العزم، فهما كانا وما يزالان في السلطة، بينما نحن تيار شعبي، لكن يمكننا أن نعوّض جزءاً كبيراً من غيابهما، والتقديرات الأولية واستطلاعات الرأي تشير إلى أنّنا سنأخذ أصواتاً لا بأس بها من مناصري التيّارين، وخصوصاً تيّار المستقبل”.

وحول حجم الجماعة الإسلامية والتوقعات المسبقة حيال ما ستناله من أصوات وحواصل في الإنتخابات المقبل، قياساً بالتراجع الذي سجلته الجماعة في دورة إنتخابات عام 2018، قال نافع إنّ “دورة الإنتخابات الماضية لم تعكس الحجم الفعلي والحقيقي للجماعة، لأسباب عديدة، منها التحالفات الإنتخابية التي أضرتنا، لكن حظوظنا اليوم جيدة، والوضع أفضل بكثير من السّابق، والظروف أيضاً مختلفة”.

عبد الكافي الصمد

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى