مجتمع

دبس الرّمان: مونة أساسية في بيوت اللبنانيين

ما إنْ يحل عيد الصليب منتصف شهر أيلول من كلّ سنة، حتى يسارع المزارعون في الجرد والريف إلى قطف إنتاجهم من الرّمان، على أنواعه، تمهيداً لبيعه للمتسوقين الذين يشترونه إمّا للأكل أو لتخزينه في البرّادات، لكنّ الغالبية منهم تقبل على شراء الرّمان من أجل صنع مادة دبس الرّمان منه كمونة رئيسية لهم لا يمكن الإستغناء عنه كعنصر أساسي في مأكولاتهم.

ويختار المزارعون هذا الموعد للقطاف لأنّ ثمار الرّمان يكون بعد هذا الموعد قد نضج، وأصبح تناوله للأكل أو عصره وتحويله إلى دبس للمونة مناسباً جيداً، لأنّه بعد هذا الموعد بأيّام قليلة، ومع هطول أوّل زخّة مطر تجعل طرف أيلول مبلولاً، تبدأ ثمار الرّمان بالتشقق والتفسّخ، الأمر الذي يصيبها بالإهتراء، كما أنّ القوارض تبدأ خلال هذه الفترة بـ”الهجمة” على ثمار الرّمان لأكلها، ما يدفع المزارعين إلى المسارعة لقطافها، أو وضع أدوية خاصة مضادة للقوارض عند جذوع أشجار الرّمان لإبعادها عنها، والقضاء عليها.

وإذا كان معروفاً أنّ المتسوقين يقبلون على شراء نوعي الرّمان السكّري والهاجوجي من أجل تناول طعامه اللذيذ، وتموينه من أجل أكله خلال سهرات فصل الشتاء المقبل، فإنّ الإقبال على شراء الرمان الحامض يكون عادة بهدف عصره واستخراج دبس الرمان منه، سواء من أجل المونة الشّخصية، أو لبيعه في المتاجر في عبوات زجاجية أو بلاستيكية بمختلف الأشكال أو الأحجام، بين 250 غراماً على الإقل إلى ليترٍ على الأكثر.

موسم هذه السنة من الرّمان كان وفيراً، كما أنّ الإقبال على شرائه كان كبيراً بدوره، نتيجة مسارعة المواطنين، في ظلّ الأزمة الإقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعانونها، إلى تحضير وتأمين شتى أشكال المونة، من الزيتون إلى الكشك والتين المطبوخ وغيره من أنواع الحلويات المنزلية المطبوخة من أصناف الفاكهة المحلية المختلفة، كالتفاح والإجاص والسفرجل والعنب وغيرها، وصولاً إلى دبس الرّمان.

أسعار كيلو الرّمان هذه السنة إرتفع عن ما كان عليه السنة الماضية بسبب إرتفاع تكلفته من أجور عمّال وفلاحة وأسمدة ونقل وغيرها. وفي هذا الصدد يقول عماد العرب، وهو صاحب محل لبيع الفاكهة والخضراوات بالجملة والمفرق، بأنّ “سعر كيلو الرمان الحامض يبلغ هذه الأيّام 15 ألف ليرة كمعدل وسطي، أمّا الرّمان الحلو فيباع بسعر 25 ألف ليرة، وهي أسعار قابلة للإرتفاع والإنخفاض حسب النوع، ووفق حركة السّوق”.

بعد عملية الشّراء تبدأ عملية صنع دبس الرّمان حسب ذوق كلّ شخص، ما بين أشخاص يفضّلون أن يكون من الرّمان الحامض فقط، وبين أشخاص يخلطون الرّمان الحامض مع قليل من الرّمان الحلو من أجل “كسر” طعمه الحاد.

بعد ذلك تبدأ عملية غسل الرّمان في أطباق واسعة وقصّه نصفين بواسطة سكين، قبل الضرب على جانب كلّ نصف بآلة خشبية أو معدنية من أجل فرط حب الرّمان الأحمر في وعاء آخر، بعد فرزه عن القشور تمهيداً لعصره، إمّا بالطريقة التقليدية وهي اليد، والتي يستغرق عصره وقتاً طويلاً، أو بواسطة آلات عصر منزلية خاصّة، أو عبر آلات عصر حديثة تقوم بعصر كميات كبيرة من الرّمان خلال فترة زمنية قصيرة.
الخطوة هي وضع عصير الرّمان في طناجر وأوعية معدنية كبيرة فوق مواقد النّار، الغاز أو الحطب، وتركه يغلي ساعات معينة، يتخلّلها عادة سهرات جماعية قرب المواقد في الأرياف، ثم تركه يبرد قبل تعبئته في قوارير وتخزينها إلى جانب أصناف المونة الأخرى، أو إرساله إلى مغتربين خارج لبنان يلحّون بالحصول على دبس الرّمان المحلي، لجودته من ناحية، أو لعدم توافره في البلدان التي يقيمون فيها.

عبد الكافي الصمد

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى