“موازنة الضرورة”: رواتب يأكلها التضخم قبل صرفها.. ماذا عن الدولار الجمركي؟
بعد جلسات ماراتونية وأخذ ورد ومزايدات سياسية، أقر مجلس النواب موازنة العام 2022 وسط انقسام سياسي ونيابي وشعبي على مضمون الموازنة والبنود إذا كانت لمصلحة المواطنين والموظفين تحديداً وتعزيز صمودهم اليومي بتحسين مستوى معيشتهم، أم إنها جاءت لتلبي مصلحة آنية سياسية – حكومية – نيابية وبعض أصحاب رؤوس الأموال، وغب طلب صندوق النقد الدولي؟.
وإذ كان لافتاً توافق كتل التنمية والتحرير ولبنان القوي بالتصويت على مشروع الموازنة، علم “أحوال” أن كتل القوات اللبنانية والكتائب والقوى التغييرية صوتت ضد الموازنة.
وفيما تعرضت الموازنة الى جلد سياسي واقتصادي من جمع نيابي متعدد الانتماءات ووصفها البعض بالموازنة الرقمية والارتجالية والغير متوازنة، وموازنة الضرورة، ينتقد خبراء اقتصاديون “إقرار بند مضاعفة الرواتب ثلاثة أضعاف، من دون دراسة “اكتوارية” تبين أثر رفع الرواتب والأجور على الواقع الاقتصادي والمالي وعلى العملة الوطنية، لا سيما وأن كلفة الرواتب سترتفع إلى أكثر من 27 تريليون ليرة (27 ألف مليار)، ما سيفرض على مصرف لبنان، بطلب من الحكومة، طباعة المزيد من العملة اللبنانية لتغطية التمويل، وهو ما سيرفع الكتلة النقدية بالليرة، وبالتالي ارتفاع سعر صرف الدولار إلى معدلات قياسية لن تكون أقل من 40 ألف ليرة”.
ويشيرون لـ”أحوال” الى أن “الإضافات على الرواتب ستذوب قبل أن تدخل حيز التنفيذ، هذا إن نشر القانون في الجريدة الرسمية قبل نهاية الشهر الجاري. وما يعزز ذلك هو بدء ارتفاع سعر صرف الدولار بالسوق السوداء فور إقرار الموازنة وبند الرواتب، ووصل الى 38 ألف ليرة.
عضو كتلة اللقاء الديموقراطي النائب الدكتور بلال عبدالله يشير في حديث لـ”أحوال” الى أن “الموازنة ليست عظيمة لكنها مطلوبة لانتظام المالية العامة واستمرارية الصرف وتسيير الوزارات وشؤون المواطنين، وهي موازنة بالأرقام وتسووية وتصحيحية وتمهيدية لموازنة إصلاحية للعام 2023”.
ويوضح أن الموازنة عبارة عن أمرين هامين: تخفيض الربح الخيالي للتجار الذي يستوردون على السعر الرسمي 1500 ليرة للدولار، ورفع جباية الدولة لرسومها وضرائبها على السعر الرسمي أيضاً لتعزيز خزينة الدولة ومواردها، وبهذا قد عززنا عدالة الرسوم وأضفنا رواتب وأجور موظفي القطاع العام من مدنيين وعسكريين ثلاثة أضعاف. كما حذفنا من الموازنة ما يسمى فرسان الموازنة وقوانين البرامج والموازنات المستقلة.
ويرى عبدالله أن أسوأ موازنة هي عدم وجود موازنة. ويشير الى أن تصويت اللقاء الديمقراطي مع الموازنة لم يكن سياسياً بل بناء على المصلحة الوطنية ومصلحة استمرار عمل الدولة ومؤسساتها والدليل توافق كتل التنمية والتحرير مع تكتل لبنان القوي بالتصويت مع الموازنة، رغم أن تعطيل النصاب في الجلسة السابقة كان سياسياً لغايات مختلفة.
وعن رواتب القطاع العام يوضح عبدالله بأنه سيدخل حيز التنفيذ فور صدور القانون ونشره بالجريدة الرسمية، وسيستمر الى حين إقرار موازنة الـ2023، وإن لم تقر فسيستمر دفع الرواتب على القاعدة الاثني عشرية، وكذلك التقديمات الاجتماعية والطبابة والاستشفاء وتقسيط ديون الضمان الاجتماعي.
ويلفت عبدالله الى تعديل موازنة وزارة الصحة بالحد الأدنى المعقول، أما الدولار الجمركي فهو قرار حكومي ولا علاقة للمجلس به، وقد توافقنا مع الحكومة على تحديده بـ15 ألف ليرة بشكل لا يشمل المواد الغذائية والمحروقات والأدوية والمعدات الطبية.
وفي هذا السياق يكشف النائب عبدالله بأنه كرئيس لجنة الصحة النيابية أصر خلال الجلسة على استثناء الأدوية والمعدات الطبية من الجمرك، وأضاف: “أخذنا تعهد الرئيس نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف الخليل بذلك، وكذلك بأن يشمل بند زيادة الرواتب ثلاثة اضعاف موظفي المستشفيات الحكومية والبلديات”.
وإذ يشير بعض الخبراء الى أن قيمة النفقات تزيد عن قيمة الواردات بمبلغ يقدر ب11300 مليار ليرة، ما يرسم تساؤلات حول هذا الفارق وكيفية تأمين مصادر تمويل للموازنة بظل هذا العجز؟.. يوضح عبدالله ذلك بأن “العطاءات والمساعدات الاجتماعية والانفاق وزيادة الرواتب اعتمدت بناء على الحسابات التقديرية للإيرادات بالموازنة”، ويؤكد على أن الأرقام التي كشف عنها وزير الأشغال والنقل علي حمية لجهة استيفاء الرسوم من الموانئ والمطار والأملاك البحرية صحيحة.. رسوم المطار 500 مليار ليرة، ورسوم الأملاك البحرية 500 مليار ليرة، و1800 مليار من قطاع الاتصالات، وهذا يخفض عجز الموازنة.
وعن إقرار الموازنة بلا قطع الحساب تساءل عبدالله: “هل تم قطع الحساب في الموازنات السابقة”؟ ويلفت الى أنه لم يتم إقرار قطع الحساب منذ ما قبل الأزمة، ويوضح أن مسألة قطع الحساب لاتزال بعهدة ديوان المحاسبة.
محمد حمية