مجتمع

قوارب الموت: تجار وسماسرة ومهربين يبتزون فقراء ومعدمين

قبل أن يندمل جرح أهالي قارب الموت الذي غرق في 23 نيسان الماضي قبالة شاطىء مدينة طرابلس، بالقرب من محمية جزر النخيل، فُتح جرح آخر لدى أهالي قارب موت جديد غرق في 21 أيلول الجاري قبالة شاطىء مدينة طرطوس في سوريا بالقرب من جزيرة أرواد.

وإذا كان قارب الموت الأوّل قد غرق بكامله وبداخله أكثر من 30 جثة لم تستطع أيّ جهة إنتشاله لضعف الإمكانات، بعد العثور على عدد من الجثث التي طفت على سطح مياه البحر وإنقاذ بعض الأشخاص الذين كانوا على متنه، فإنّ قارب الموت الذي غرق في طرطوس كانت كارثته أكبر، إنْ لجهة عدد ركّابه الذين فاقوا 150 مقابل نحو 120 راكباً كانوا على متن القارب الذي غرق في طرابلس، وسواء لجهة عدد الضحايا الذين فاقوا 100 ضحية حتى الآن في طرطوس من جنسيات لبنانية وفلسطينية وسورية، عدا عن أكثر من 40 شخصاً ما يزال حتى الآن مصيرهم غامضاً، بينما كان عدد الضحايا والمفقودين في طرابلس أقلّ من هذا العدد بمعدل النّصف تقريباً.

قوارب الهجرة غير الشّرعية هذه والتي باتت تلقب بـ”قوارب الموت”، كون الهجرة فيها مغامرة بالغة الخطورة، تزايدت في السّنوات الأخيرة على نحو لافت، وخصوصاً بعد الإنهيار الإقتصادي والمعيشي الذي بدأ مع حَراك 17 تشرين الأول عام 2019، والصعوبات المعيشية والإقتصادية والإجتماعية التي رافقته، بالتزامن مع إنهيار الليرة اللبنانية التي خسرت أكثر من 25 ضعفاً من قيمتها خلال هذه الفترة، ما دفع كثيرين إلى الهجرة خارج لبنان بحثاً عن بلد أفضل بالنسبة لهم.

إذ يكاد لا يمرّ يوم أو أسبوع على الأكثر إلّا ويغادر قارب هجرة غير شرعي لبنان نحو الدول الأوروبية، من تركيا إلى اليونان وقبرص وصولاً إلى إيطاليا، واللافت أن معظم هذه القوارب تغادر من عند الشّواطىء الشمالية، وتحديداً من المنطقة الممتدة من طرابلس مروراً بالمنية وصول إلى عكّار، وأنّ القوارب التي يغادرون فيها هي قوارب بدائية وخشبية مخصّصة للصيد والنزهة، وليس للهجرة والإبحار مسافات طويلة، الأمر الذي يعني بأنّ الهجرة فيها مخاطرة غير محمودة العواقب، كما أنّ أغلب من يغادرون فيها هم من الفقراء الذين باعوا “ما فوقهم وما تحتهم” لتأمين خروجهم من لبنان، بعدما ضاقت بهم الدنيا، وجرى إستغلالهم من قبل تجّار البشر وسماسرة.

هذا الإستغلال تبدّى على أكمل وجه في قارب الموت الأخير الذي غرق قبالة شاطىء طرطوس، فقد كشفت إعترافات ناجين من الغرق هذا الأمر على نحو فاضح، وأكّدت أن ما يجري جريمة منظمة بكلّ معنى الكلمة، وأنّ السكوت عنها لم يعد جائزاً.

جهاد البشلاوي، وهو فلسطيني يقيم في مخيم شاتيلا، وكان أحد النّاجين القلائل من قارب الموت في طرطوس، أوضح أنّ الموقوف لدى الأجهزة الأمنية بلال ديب من بلدة ببنين في عكّار والملقب أبو علي نديم، المشرف على القارب والذي قبض عن كلّ شخص بين 5 آلاف إلى 6 آلاف دولار، أجبر قبطان القارب أسامة نافذ حسن، وهو فلسطيني من مخيم نهر البارد، على قيادة القارب بالقوة بعدما هدّده بقوة السّلاح بإطلاق الرصاص على أولاده غن لم يفعل، بعدما رفض قيادة قارب يحمل على متنه أكثر من 150 شخصاً، لأنّه “قارب يقودنا إلى الموت وليس إلى إيطاليا” كما قال للمهرّبين، وهو ما ثبتت صحته، إذ تعطّل القارب أكثر من مرة منذ مغادرته، إذ بعد مرور أقلّ من 6 ساعات على مغادرته شاطىء المنية غرق في عرض البحر بعدما ارتفع الموج أكثر من 3 أمتار، وتحطم وغرق من فيه، قبل العثور على أغلبهم جثثاً هامدة ومشوهة على شاطىء جزيرة أرواد ومدينة طرطوس.

عبد الكافي الصمد

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى