منوعات

تداعيات الانتخابات الأميركية على الاقتصاد اللبناني

مع اقتراب موعد الحسم في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ينتظر اللبنانيون نتائجها بترقّب، لما لها من تداعيات على الداخل اللبناني. ومن أجل استنتاج واستنباط هذه التداعيات بشكل واقعي، لا بدّ لنا أن نفهم استراتيجية كل من ترامب وبايدن ومقاربتهما للعلاقات الدولية كلّ من منظوره.

 

ترامب والخنق الاقتصادي

يسعى ترامب، ومنذ تولّيه سدّة الرئاسة الأميركية، إلى أمركة العالم؛ وتجلّى ذلك جليّاً من خلال حملته الانتخابية للرئاسة الأولى، والشعارات التي أطلقها آنذاك لاستثارة مشاعر الأميركيين وقوميتهم وعصبيتهم، متبعاً في ذلك استراتيجية الخنق الاقتصادي من بعيد، وترسانته العسكرية، أي العقوبات الاقتصادية. وفي حال فوزه سيستمر في ذلك ولن يحيد.

بايدن وترميم العلاقات الدولية

تقوم استراتيجية بايدن على إحياء العولمة من جديد، وإعادة ترميم العلاقات الدولية من بوابة الاتحاد الأوروبي، الامتداد الطبيعي للولايات المتحدة والحليف الأقوى على الساحة الدولية، بعد أن قام ترامب بنسف هذه العلاقات ومحاولة تطويعها. عنوان هذه الاستراتيجية هو الخصومة والعداء مع الصين ومن خلفها روسيا، وبذلك هو يحتاج إلى رسم خطوط تحالفات دولية جديدة ستكون باكستان تركيا وإيران محورها.

الغاز وأمن الكيان الإسرائليي

في المحصلة، مهما يكون الشخص الذي سيتربّع على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، هناك ثابتتان أساسيتان لا تنفصل عنهما الاستراتيجية الأميركية للدولة العميقة المسيطرة فعلياً في الولايات المتحدة، وهما: استدامة السيطرة على منابع النفط والغاز إنتاجاً وتسويقاً، وضمان أمن الكيان الإسرائيلي.

لبنان ساحة لوجستية

وفق هذه المنطلقات سيصبح لبنان ساحة لوجستية في صراعات المنطقة؛ ساحة ترابط واتصال بين مختلف القوى الدولية والإقليمية. لذلك، نشهد الهجمة من مختلف هذه القوى وتقديمها مبادرات لحلّ الأزمة اللبنانية، من روسيا إلى فرنسا وصولاً إلى تركيا. ومع وصول ترامب أو بايدن إلى سدّة الرئاسة، يجب التوقف عند عدّة قضايا بفعل تأثيرات الشخص الذي سيتولّى هذا المنصب، وهي: العقوبات الأميركية، ترسيم الحدود البحرية ومعالجة الأزمة الاقتصادية.

 

العقوبات الاميركية

في حال فوز ترامب، سيستمر في مسار هذه العقوبات وقد تكون أشد وطأة على إيران، وبعض القوى السياسية في الداخل اللبناني حتى إنتاج تسوية مع إيران، وبالتالي ستنعكس هذه التسوية إيجاباً على الداخل اللبناني سيصبّ بعض منها في صالح محور إيران وحلفائها.

أما في ما يتعلّق ببايدن، فلا مكان للعقوبات في استراتيجيته، حيث سيعيد إحياء الاتفاق النووي الإيراني وإقامة اتفاقات جديدة لأنّه سيتفرّغ للخصم الأول الصين، وبالتالي ستصبّ نتائج هذه الاتفاقيات لصالح إيران ومحورها في لبنان.

 

ترسيم الحدود

من الثوابت لأيّ إدارة أميركية هو تأمين مصالح الكيان الإسرائيلي في المنطقة، لذلك فإنّ كلاً من ترامب وبايدن سيّان في مقاربتهما لهذا الملف. سيسعيان جاهدين إلى توفير كل متطلبات هذه المصالح، وتذليل العقبات أمام تحقيق كل خطط ومشاريع الكيان الإسرائيلي في عملية ترسيم الحدود البحرية، كمرحلة أولى ولاحقاً البريّة؛

لكن الفرق بينهما أن ترامب قد يعتمد على عملية اتفاق ترسيم الحدود لتكون منطلقاً في مسار التطبيع وصفقة القرن مع لبنان_ خاصة أنه كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن التمهيد لاتفاقية التطبيع مع المملكة العربية السعودية وسوريا. أما بايدن، فلا تعنيه عملية التطبيع في هذه المرحلة، إلا أنّها قد تكون ورقة مستقبلية في الانتخابات الرئاسية المقبلة وهي ورقة مربحة لأي مرشح رئاسي.

معالجة الأزمة الاقتصادية

إنّ المدخل والباب الطبيعي في هذه المسألة، في نظر كل من ترامب وبايدن، هو عبر صندوق النقد الدولي، الذي لديه شروطه وإجراءاته وسياساته المعتمدة بغض النظر عن طبيعة وسياسات الإدارة الاميركية. قد يُدخل ترامب العنصر الخليجي في تمويل معالجة الأزمة، في مقابل ثمن السير في مسار التطبيع، ومن ثم فإنّ هذا الأمر سيخفّف من حدّة وطأة الأزمة والمعالجة الجدّية بشكل أسرع وأفعل.

 

أمام هذه التبدلات، ما زالت القوى السياسية في لبنان تمعن في غيّها وتسلّطها وتراخيها في تأمين مصالح اللبنانيين ومصيرهم، مع أنّها تستطيع أن تفكّ تبعيتها في هذه المرحلة بالذات، واتخاذها قرارات من شأنها المساهمة في لجم الأزمة، وأولها تشكيل حكومة مسؤولة وفاعلة تعيد الثقة إلى الانتظام العام.

د.أيمن عمر

أيمن عمر

كاتب وباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية له العديد من الأبحاث والمؤلفا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى