منوعات

انخفاض أسعار العقارات: المغتربون يبحثون عن الترفيه والاستثمار في الخارج

إن كان يصعب في معظم القرى والبلدات الجنوبية ايجاد المنازل المعروضة للإيجار، نظراً لكثافة النازحين السوريين من جهة، وعودة المئات من أبناء المنطقة من أماكن نزوحهم السابقة، لا سيّما من الضاحية الجنوبية لبيروت بسبب غلاء المعيشة في المدن نسبة الى القرى والبلدات، فإن أسعار العقارات لا تزال منخفضة جداً عن ما كانت عليه قبل الأزمة الاقتصادية المتنامية.

إذ تبرز على مواقع التواصل الاجتماعي عروض بيع كثيرة لأراض ومنازل وفيلات بأسعار متدنية ومغرية، منها “فيلا من طابقين مع دونمي أرض في قضاء بنت جبيل بثمن يقل عن 100 ألف دولار، وقطعة أرض من 7 دونمات في قضاء مرجعيون على طريق معبدة بثمن 49000 دولار أميركي”، علماً بحسب الخبير العقاري ومتعهد البناء أحمد سويدان، أن “بناء منزل من طابق واحد بمساحة 190 متراً يكلف اليوم ما يقارب 100 ألف دولار أميركي، بسبب ارتفاع أجرة العمال وأسعار مواد البناء”.

لكن سويدان أشار الى أن “تدني أسعار العقارات يعود الى أن معدل دخل اللبنانيين المقيمين في المنطقة لا يزيد على 400 دولار، في حين أن 20% من المقيمين يصل دخلهم الى حوالي 800 دولار أميركي”، وبطبيعة الحال بحسب سويدان فان “هذه المداخيل لا تمكّن أصحابها من شراء العقارات أو بناء المنازل، أما الميسورين فان أعدادهم قليلة جداً وهم من التجار، في الوقت الذي تراجع فيه المغتربين عن استثمار أموالهم ومدخراتهم في لبنان، بسبب الخوف من أزمات أخرى تبتلع ما تم استثماره، وهؤلاء بدأوا فعلاً بعرض عقاراتهم للبيع لاستثمار ثمنها في الخارج”.

ويرى جورج الحاج، من بلدة رميش (بنت جبيل) أن “90% من أبناء البلدة المقيمين هم من الموظفين والمزارعين، الذين لا يصل دخل أحدهم الى 200 دولار أميركي شهرياً، بينما أجر العامل السوري وصل الى 15 دولار يومياً أي ما يعادل 450 دولار شهرياً، ما يعني أن معظم أبناء البلدة باتوا عاجزين عن شراء الأراض وبناء المنازل. وهذا أدى الى تدني أسعار العقارات وقد يؤدي الى انخفاضها أكثر في المستقبل”.

“التوبة ما بقى عيدا”، يقول محمد قوصان، ابن بلدة فرون (بنت جبيل)، أحد المغتربين القادمين من أفريقيا، للتأكيد على عدم رغبته في شراء أي عقار جديد في المنطقة، مبرراً قوله “لقد خسرنا أموالنا في البنوك، كما خسرنا قيمة عقاراتنا التي استطعنا شراءها خلال سنوات الغربة الطويلة”.

يتحدث محمد عن أن “الاستثمار في العقارات منعنا من تطوير أعمالنا في الخارج، على أمل ان نعود الى بلادنا، ونعتمد في معيشتنا على بدلات الايجار، أو على الأرباح التي قد نحققها من بيع العقارات، لكن ما حصل أن الايجارات تدنت قيمتها كثيراً، فقد كان بدل ايجار شقة لي في صور يؤمن لي دخلا يزيد عن 400 دولار شهرياً، وهو اليوم لا يؤمن 100 دولار أميركي”، مبيناً أن “الشقة المؤجرة نفسها دفعت ثمنها 150 ألف دولار أميركي، ولا يزيد ثمنها اليوم على 50 ألف دولار”.

لذلك يعتقد أن “المغتربين توقفوا عن شراء الشقق والعقارات، وباتوا يفضلون استثمار مدخراتهم في تطوير أعمالهم في الخارج، وهذا ساهم ويساهم في تراجع أسعار العقارات في المنطقة”.

في القرى الحدودية مع فلسطين، انخفضت أسعار الأراضي بشكل كبير، منذ بدء الأزمة الاقتصادية، وهي لا تزال منخفضة حتى الأن، “السوق العقاري جامد، رغم حركة المغتربين الكثيفة هذا الصيف”، يقول أحد سماسرة العقارات في بنت جبيل، لافتاً الى وجود “تناقض كبير بين أسواق السلع والمواد الغذائية والشاليهات والمنتزهات التي يتهافت عليها المغتربون، وبين أسعار العقارات. اذ أن المغتربين يرغبون فقط بالاستجمام وشراء السلع والمنتجات، التي تعتبر رخيصة الثمن نسبة الى أسعارها في دول الاغتراب، لكنهم لا يرغبون في أي استثمار في لبنان”.

ويشير الى أن “معدل سعر دونم الأرض في قرى بنت جبيل منخفض اليوم عن ما كان عليه قبل الأزمة بنسبة 40% تقريباً، وهذا يفسّر خوف المغتربين من الاستثمار مجدداً في العقارات”.

ويؤكد على ذلك المغترب واصف العلي عندما أشار الى أنه “اشترى قبل الأزمة ثلاثة محلات تجارية بسعر يزيد على 100 ألف دولار، بهدف استثمارها من خلال تأجيرها، لكن أجرة المحل الواحد اليوم لا تزيد على 100 دولار، وعندما قررت بيعها لم أجد من يشتري بنصف القيمة، لذلك نفضل اليوم الاستثمار في الخارج”.

ويرى أن “المقيمين هنا لا يستطيعون شراء العقارات، باستثناء عدد قليل منهم، كل طموح الشباب هو السفر الى الخارج، لذلك هاجر الآلاف منهم الى دول أفريقيا والخليج العربي، وغيرها، لكنهم يعملون بأجور لا تمكنهم من ادخار الأموال وشراء العقارات”.

في بلدة برعشيت (بنت جبيل) التي لا يقيم فيها أكثر من ألف نسمة، ويزيد عدد مغتربيها على 5000 نسمة، يعتبر سوق العقارات متوقف بالكامل، حتى أن “عدد ورش البناء انخفض بنسبة 70%، ومن يرغب في بيع الأراضي هم المغتربون أنفسهم، لكن بأسعار لا يقدر على دفعها المقيمون، رغم انخفاضها عن ما كانت عليه سابقاً قبل الأزمة”، بحسب ابن البلدة أبو علي فرحات، الذي أكد على أن “معظم منازل البلدة فارغة من أصحابها، ويوجد أراضي كثيرة يملكها مغتربو البلدة معروضة للبيع، ولا قدرة للمقيمين على شرائها، لأنهم أصلاً يعتمدون في معيشتهم على ارساليات المغتربين من أقربائهم”.

وفي بلدة شقراء المجاورة، انخفض معدل ثمن دونم الأرض من 35 ألف دولار الى 20 ألف دولار، رغم أن البلدة تعتمد على المغتربين والتجارة. ويلفت أحد سماسرة العقارات في البلدة الى أن “بعض عقارات المغتربين تعرض للبيع، وقد تم بيع عدد منها، وكل ذلك بهدف استثمار الأموال الفائضة في الخارج، بعد أن كان المغتربين يستثمرون أموالهم في شراء العقارات”.

وفي عدد من قرى وبلدات مرجعيون وصل معدل ثمن دونم الأرض الى 10 آلاف دولار أميركي، في الوقت الذي شهدت فيه المنطقة تهافتاً على بناء الشاليهات وأماكن الترفيه الخاصة، اذ وصل عدد الشاليهات التي تم تشييدها في المنطقة الى ما يزيد عن 150 شاليهاً، رغم أن المنطقة قبل الأزمة كانت خالية تقريباً من الشاليهات السياحية، بحسب صاحب أحد الشاليهات في بلدة الخيام حسن عبدالله، الذي اعتبر أن “انخفاض أسعار العقارت وخوف المغتربين من الاستثمار مجدداً في لبنان، ورغبتهم في الاكتفاء في زيارة قراهم بشكل دوري، دون نية العودة الدائمة، سمح للميسورين من المقيمين الاستثمار في بناء المواقع السياحية المتوضعة لخدمة المصطافين والاستفادة منهم”.

ويلفت الى أن “من بين أهم اسباب انخفاض أسعار الأراضي في المنطقة، هو عدم قدرة البلديات ووزارة الأشغال على شق الطرقات العامة وتعبيدها، ما جعل الأراضي غير المبنية والتي بمعظمها باتت بعيدة عن الطرقات المعبّدة، خارج حسابات الراغبين في البناء. لذلك فان ورش البناء ترتفع عامودياً في الأحياء السكنية”.

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى