منوعات

 مطمر الجديدة السد البوشرية: كارثة نفايات جديدة

منذ إضرام النار في “محرقة العمروسية” في الضاحية الجنوبية (1997) واستحداث “مطمر الناعمة” (1998)، ومع اعتماد المطامر الشاطئية (2016) في الكوستابرافا وساحل المتن، لا خطة استراتيجية لإدارة النفايات المنزلية الصلبة إلا على الورق، فيما الزبالة تُطمر دون مراعاة الشروط البيئية والصحية، ولا يزال لعابُ المستثمرين يسيل طمعاً باستثمار مطمر ومزبلة، أما بعيداً من بيروت والضواحي فالنفايات تُحرق على “عينِك يا دولة”، ملوِّثةً التربة والهواء والأنهر ومياه الينابيع الجوفية والسطحية.

قبل أن تطغى ثقافة الإستهلاك Consumer culture في ظل النظام الرأسمالي المتوحش والهيمنة على الأسواق العالمية وتعمُّق النزعة المادية الجشعة، كان معيار تقدُّم الشعوب والحضارات يُقاس بما حققت من إنجازات فنية وثقافية، أمّا اليوم فصار معيار التقدم مرتبطاً بكيفية إدارة الدول والمجتمعات لنفاياتها (التخفيف، ثقافة الفرز، إعادة التدوير… إلخ)، لنتأكد أن لبنان متخلفٌ ليس عن الدول المتقدمة فحسب، وإنما يتذيل الترتيب على مستوى الدول النامية.

 

الإدارة المتكاملة للنفايات

حتى اللحظة، لم تستشرف السلطة مجتمعة حجم المخاطر الواقعة حكماً في غضون أشهر قليلة، فيما الحلول “ترقيعية” والكارثة على الأبواب: دولة مفلسة، وزارات غائبة ومجتمع مدني بغالبيته مترهِّل كي لا نقول إنه صِنوُ السلطةِ في مفاسدها، فقط دراسات، ورش عمل، مبادرات لم يكتب لها النجاح، حملات نظافة إعلامية وصور تذكارية، ولا من سأل يوماً أين مكمن الداء؟!

وفي مكان ما، يبدو أنّ أهل السلطة مقتنعون بخيار المحارق بديلا من المعالجة، فالإستسهال في مقاربة هذا الملف يؤكّد أن وراء الأكَمَة ما وراءها، خصوصاً وأن ثمة من انبرى (قبل 17 تشرين وجائحة كورونا) للتسويق لمبدأ الحرق، فيما النفايات تعتبر ثروة إذا أُحسن استخدامها، معالجةً واستعادة وإعادة تدوير، أخذا في الإعتبار أن الحرق يأتي في سياق خطة متكاملة ولا يكون خياراً وحيداً متاحاً على غرار ما يروِّج له بعض أهل السياسة، فضلاً عن أن الإدارة المتكاملة للنفايات تتضمن الحرق في حدود ما ينجم بعد الفرز والمعالجة.

 

الجديدة البوشرية السدّ

وتكفي إطلالة سريعة على واقع مطمر الجديدة البوشرية السد لنتبيَّن أنّنا موعودون بكارثة، فالمطمر كما حال الكوستابرافا يستنفد قدرته الإستيعابية، والنفايات ستعود لتتصدر المشهد على الطرق وفي القرى والبلدات، ساحلاً وجبلاً.

وفي هذا السياق، عرض رئيس بلدية رئيس بلدية الجديدة البوشرية السدّ أنطوان جبارة لـ “أحوال” حجم المشكلة القائمة والمتوقعة، فقال: “اتخذت الدولة عام 2016 قراراً باستحداث مطمر الجديدة المؤقت لفترة 4 سنوات وتفكيك جبل برج حمود، وتم تلزيم العمل ريثما تتوفر الحلول، ومن بينها معمل كبير للمعالجة، وبعد سنتين ونصف السنة اجتمعنا ورئيس بلدية برج حمود مادريك بوغوصيان بوزير الأشغال يوسف فنيانوس وكان متجاوباً للغاية، وحوَّلَنا إلى المسؤول عن الأملاك البحرية في الوزارة، وعينوا مهندسين لدراسة الموضوع، وبعدها تغيرت الحكومات، وجاءت الثورة وحلّت جائحة كورونا، ونحن ماضون نحو كارثة إذ لم يتم إنجاز شيء وانتهت الفترة المؤقتة”.

وأضاف: “اجتمعنا كرؤساء بلديات مع محافظ جبل لبنان، وعرضنا له الأزمة، خصوصاً وأنّ قدرة المطمر الإستيعابية لن تتخطى الثلاثة أشهر، ولا مجال في قضاء المتن لإيجاد مطمر، ونحن نبحث عن حل وعلينا التصرف”.

 

توسعة المطمر

وأشار جبارة إلى أنّ “الإتفاقية الأساسية نصّت على أن ما ينتج من هذا المطمر، كمساحات للبلدية (الجديدة وبرج حمود) حق الإستثمار، الآن يتم الحديث عن توسعة دون الرجوع إلينا، خصوصاً وأنّ أموالنا في الصندوق البلدي المستقل، وقد تحوّلت إلى مجلس الوزراء ووزارة المالية، ما يعني المزيد من المماطلة لكسب الوقت”.

وطالب جبارة بأن “يعطونا الأرض ونحن مستعدون لإيجاد حلّ وخلال سنة ونصف السنة نبني معملاً، لكن للأسف لا يأخذون برأينا ولا برأي غيرنا، نحن محتارون، إن اتجهنا لإقفال المطمر تعم النفايات الطرقات، ولا نعرف أين سنصل؟”.

وقال: “في اجتماع عقد في القصر الجمهوري، وُعدنا بقسم كبير من الأرض للإستثمار، والمشكلة أن لا استمرارية في الدولة، وكل وزارة تلغي عمل سابقتها، وحاليا، اتخذ قرار بتوسعة المطمر، مع توصية من مجلس الوزراء باستمرار العمل”.

وختم جبارة مطلقاً صرخة عبر “أحوال”: “كل الحمل علينا، لا يقدمون لنا الأرض لنقوم بإنجاز حل شامل، ليس هدفنا أن نفتعل المشاكل، ولكن لن نتراجع، بعد أن قد فقدنا الثقة بالجميع”.

 

قزموز: مطمر جديد

وفي هذا المجال، وبعد التواصل مع متعهد مطمر الجديدة داني خوري، حوَّلنا إلى مدير مشروع “بناء وتشغيل مطمر صحي في منطقتي برج حمود والجديدة السد والبوشرية” المهندس توفيق قزموز، فقال لـ “أحوال”: “عمليا، كان المفترض انتهاء القدرة الإستيعابية لمطمر الجديدة وفقاً للخطة التعاقدية في آب (أغسطس) 2020، ولكنه امتلأ بحلول أيار (مايو)، ويستقبل المطمر يومياً حوالي 1200 طن من مناطق في جبل لبنان والمتن وكسروان وقسم من بيروت الكبرى”.

وقال: “لذا استمر الحل المؤقت برفع المطمر متر ونصف المتر، ليستمر بالعمل من 6 آيار (مايو) وحتى 24 أيلول (سبتمبر) 2020، وعندما استقالت الحكومة إستدعي مجلس الإنماء والإعمار إلى القصر الرئاسي بوجود الحكومة، وصدر قرار مجلس الوزراء يقضي بتفاوض مجلس الإنماء والإعمار مع شركتنا ضمن عقد جديد يقضي بتنفيذ وتشغيل مطمر جديد في موقع الجديدة على مساحة حوالي 40 ألف متر مربع، أي خلية صحية جديدة لتحضير الأرض لاستقبال المزيد من النفايات”.

وأوضح قزموز أنّ “موقع الجديدة هو نتيجة طمر جبل النفايات من برج حمود في البحر قبالة بلدية الجديدة. هناك مساحة 100 ألف متر مربع امتلأت بالنفايات، وهناك مساحة 120 ألف متر مربع أخرى، وهي التي سيتم استخدام 40 ألف متر مربع منها لاستقبال النفايات الجديدة، إلا أنّ تحضير هذه الخلية لا يمكن إنجازه قبل شهرين، ولا مجال لابتكار حلول مؤقتة جديدة برفع المستوى بحدود متر أو متر ونصف المتر مرة ثالثة، وقد قدمنا العرض المالي لإنشاء هذه الخلية لمجلس الإنماء والإعمار منذ أكثر من 15 يوما، ولكن لن نستطيع الإستمرار إلا بوجود الـ Fresh Money، كون المواد المطلوبة سيتم استيردها من الخارج”.

وأشار إلى أنّ “العقد الأساسي بالدولار، ولا نستطيع الاستمرار بالتشغيل، ولا البناء ولا استكمال عملية استقبال النفايات والطمر ما لم يتم التوافق على عقد جديد ووفق سعر صرف جديد”.

 

في عين العاصفة

 

وتابع قزموز: “منذ أسبوع وجهنا كتاباً لمجلس الإنماء والإعمار بالتوقّف عن استقبال النفايات ابتداءً من آخر الشهر الحالي وأوائل الشهر القادم، حتى استكمال الأكلاف كاملة، فما نقوم به من أعمال حالياً، هو خارج العقد الأساسي وبناء على قرار مجلس الوزراء”، لافتاً إلى أنّ “الشركة تتكبد خسائر فادحة، نظراً كون مصاريفنا بالدولار وبأسعار السوق السوداء”.

وعن آليات المعالجة، قال: “تدمرت معامل معالجة النفايات إثر انفجار المرفأ، ولا مجال لتأهيلها حالياً، لذا يتم الطمر مباشرة حتى تتوفر الأموال اللازمة”.

وختم قزموز: “نحن في عين العاصفة، ويحتاج الوضع لعناية إلهية، فالنفايات جزء من الأمن الاجتماعي والبيئي والصحي، وعلى الدولة أن تولي الملف الأولوية، وحتى مع إنشاء خلية مؤقتة، فإنّ هناك حاجة لقرار فوري ودون إبطاء، للبدء بتنفيذ الأشغال، وفي كل الأحوال، فليس لدينا أكثر من سنة للإتيان بحل جديد، وهذا ليس عملنا، ولا عمل مجلس الإنماء والإعمار، بل عمل الحكومة ورئاسة مجلس الوزراء”.

 

بو سعد: حلقة مفرغة

وفي غياب المعالجات، تبقى مشكلة المتعهدين حاضرة، فبحسب مدير شركة رامكو وليد بو سعد “هي حلقة مفرغة، إن لم نصل إلى النتائج المرجوة”، لافتاً إلى أن “لدينا على الأقل 80 بالمئة من كلفة التشغيل بالدولار، وديوننا لدى البنوك تناهز 10 مليون دولار، أمّا الدولة فتدفع مستحقاتنا بالدولار على سعر 1507.5، نحن لن نكلّف الدولة، ولكننا لا نريد أن نفلّس، وهدفنا أن تلتزم الدولة معنا أسوة بالقطاع العام”.

وناشد بو سعد عبر “أحوال” الدولة “البت سريعاً في موضوع هذا القطاع الهام، فلا نريد إضافة أو تعويض، بل تعديل العقود لنتمكن من الإستمرار، كوننا لن نستطيع تحمل المزيد من الخسائر، كما أننا خلال سنة لم نستلم أموالا إلا عن 6 أشهر، علما أننا نغطي بيروت والمتن وكسروان، ونتعامل مع مكب الجديدة”.

 

أنور عقل ضـو

 

أنور عقل ضو

صحافي في جريدة "السفير" منذ العام 1984 إلى حين توقفها عن الصدور. عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية في لبنان والعالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى