سياسة

هل تمدد السيناريو العراقي في اتجاه لبنان وارد؟

ليس خافيا ان هناك الكثير من التشابه بين الواقع اللبناني وذاك العراقي، لجهة التعقيدات السياسية والحساسيات الطائفية والتدخلات الخارجية والنزاعات السلطوية وتراكم الفساد.

وبعد سقوط صدام حسين وتغير طبيعة النظام الآحادي والدكتاتوري في اتجاه اعتماد معادلات جديدة ومركبة، قيل ان العراق “تلبنن” على مستوى قواعد الحكم التي ارتكزت على المحاصصة والتوازنات، وافرزت الازمة تلو الأخرى وصولا الى انفجار الاحتقان الداخلي اخيرا والذي كاد يهدد بفتنة لا تبقي ولا تذر لولا مبادرة السيد مقتدى الصدر الى التهدئة عبر دعوة انصاره الى وقف الاحتحاجات والاعتصامات.

واذا كانت الساحة العراقية تعاني من تجاذبات مذهبية، الا ان المفارقة في المواجهة الاخيرة هي انها حصلت داخل البيت الشيعي نفسه، وتحديدا بين التيار الصدري والاطار التنسيقي المتحالف مع إيران.

وإزاء ما حصل في بغداد من نزاع دموي كاد يخرج عن السيطرة قبل أن يتم ضبطه مجددا، تخوف البعض من “عرقنة” لبنان هذه المرة، وانتقال سيناريو “المنطقة الخضراء” اليه، ليأكل الأخضر واليابس، خصوصا انه يختزن اساسا كل عوامل التوتر، فهل هذا الهاجس مشروع وفي محله؟

يعتبر المطلعون ان وقوع الفتنة في لبنان هو امر مستبعد حتى لو كان شبحها يحوم فوق البلد احيانا، لافتين الى ان هناك معادلة صارت معروفة لدى كثيرين، من شأنها ان تمنع هذا المحظور وهي ان القادر الذي يملك القوة لا يريد الفتنة، ومن له مصلحة في وقوعها لا يملك القدرة الكافية على إشعالها.

ويشير هؤلاء الى ان حزب الله يعرف انه المستهدف من اي فتنة، لاضعافه وتحوير وظيفة سلاحه، ولذلك هو اعتمد الصبر في مواجهة امتحانات صعبة عدة خاضها باللحم الحي، من مجزرة الطيونة الى جريمة خلدة وما قبلهما وبعدهما من أحداث كان يراد منها استدراج الحزب إلى مستنقع الاقتتال الداخلي، لتحويل المقاومة الى ميليشيا، وقوة الحماية الى مصدر للخطر، الا انه تفادى الانزلاق في هذا الاتجاه، مع ان كلفة الاختبارات التي خضع لها كانت مرتفعة وموجعة.

ويلفت المواكبون لهذه التحديات الى ان الحزب، وانطلاقا من اولوية تحصين جبهته الداخلية وتعزيز مناعتها، وضع حماية تحالفه مع الرئيس نبيه بري من ضمن الاولويات المركزية التي لا يتهاون بها، على رغم ان ذلك ازعج بعض حلفائه كالتيار الوطني الحر، إذ هو يدرك ان إحداث الشقاق بينه وبين حركة امل في البيئة المشتركة سيشكل ضربة لخيار المقاومة وإضعافا له، الأمر الذي من شأنه ان يحقق ما عجز عنه العدو الاسرائيلي بالحروب المتلاحقة، ولذا لا يتساهل بتاتا مع أي محاولة لاختراق وحدة الصف مهما كان الثمن السياسي الذي سيدفعه، لان اي ثمن في هذا المجال يبقى أقل من كلفة النزاع.

بناء على هذه الأسباب الموجبة، لا فتنة قريبة بمعناها التقليدي في لبنان، لكن الخوف هو من فوضى عارمة او انفجار اجتماعي تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والمعيشية التي تشكل فتيلا قد يشتعل في اي وقت، ما لم تبدأ المعالجة الجدية للانهيار وتداعياته، علما ان المؤشرات توحي بأن الاستهتار والانكار لا يزالان يطغيان على سلوك أغلب أطراف السلطة.

عماد مرمل

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى