سياسة

جولة ثالثة من مفاوضات ترسيم الحدود.. ولا “خبز وملح”

الفريقان اللّبناني والإسرائيلي تناولا غداءً منفصلاً وتكتم على محور الجلسات

بتكتم مقصود، أنهى الوفد اللبناني المفاوض لترسيم الحدود البحرية اجتماعه الثالث في الناقورة، تخلله معلومات مفبركة عن “خبز وملح” تحقق بين الجانبين مثيرةً بلبلبة داخلية. لكن طعم الخبر “المرّ” وكل التسريبات والتكهنات وملحقاتها نفاها بيان للجيش اللبناني حول عدم شرعية أي معلومات لا تصدر عنه رسمياً. لا غداء ولا حوار ولا حتى كلمة مباشرة بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي.

كما أن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والمحتل الإسرائيلي غير مباشرة وبوساطة الأمم المتحدة، كذلك كان طعام الغداء الذي تناوله الوفد اللبناني مع ممثلين عن الأمم المتحدة في خيمة مستقلة كما تفيد مصادر مطلعة، والأمر يسري على الجانب الاسرائيلي الذي كان طعامه في مكان آخر مستقل والطعام عبارة عن “سندويشات” تحضرها الجهة المضيفة أي قوات اليونيفيل.

“غير مباشرة” هي الصفة العامة للمفاوضات، التي يتمسك بها الجانب اللبناني، ولا يجتمع الطرفان في مكان واحد إلا في خيمة المفاوضات غير المباشرة، حيث يوجه الحديث إلى الموفد الأممي الذي ينقله بدوره إلى الجانب الإسرائيلي وبالعكس.

بالتزامن مع الاجتماع الثالث في الناقورة، روجت وسائل إعلام محلية في مقدمها محطة “أم تي في” أخباراً “مشوهة” كما اعتبرتها مصادر مطلعة عن انتهاء الجولة الثالثة من مفاوضات الترسيم في الناقورة وأنه تخلّلها غداء بدعوة من الوفد الأممي، ما أثار بلبلة على مواقع التواصل الاجتماعية وأثار اتصالات سياسية استيضاحية لتبيان حقيقة ما جرى. الاتصالات أدت إلى توكيد المؤكد باستحالة “الخبز والملح” بين ممثلي لبنان وممثلي العدو الإسرائيلي. وفيما الجيش لا يسرب أي معلومات عما هو سري في ملف حساس كهذا تنفي مصادر مطلعة على آلية برنامج الاجتماعات التفاوضية في الناقورة حصول أي احتكاك مباشر بين الطرفين وهذا معروف منذ الجلسات التي أثمرت عن تفاهم نيسان. 

الداخل اللبناني منقسم على نفسه هذا أمر لا جدال فيه، لكن “احتراف المناكفات في كافة الملفات حتى تلك فائقة الحساسية والتي تتعلق بالسيادة الوطنية، فهو أمر بالغ الخطورة ويمثل نافذة ليتسرب منها الإسرائيلي الذي لا يكف عبر ثعالبه إلى نصب الأفخاخ التطبيعية” كما تفيد المصادر. وتضيف “التشويش على الجيش اللبناني والتماهي مع الدعاية الإسرائيلية التي تروج لمناخ “تطبيعي” بدأ تلمسه بين اللبنانيين لعبة خطرة يتلهى بها العابثون”. تسري هذه الأجواء في لبنان منذ بداية إعلان انطلاق المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية، حيث دأب البعض من باب “التنمير” وتسجيل النقاط إلى اعتبار أن المفاوضات تعني مساراً طبيعياً نحو تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي تماماً على إيقاع ما يروج له الإسرائيلي، وهو ما ينفيه أهل الحكم اللبناني، الذين وضعوا المفاوضات في إطارها التقني المتعلق بالسيادة الوطنية واستعادة الحقوق.  

“تشويش الوجبات” خلال الاجتماع، رافقه تشويش طيران العدو الاسرائيلي الذي حلق فوق الناقورة، خارقاً المجال الجوي الجنوبي اللبناني. فيما شهد الساحل الممتد من البياضة وصولاً الى رأس الناقورة دوريات مكثفة للجيش، وقامت عناصر من “يونيفيل” بدوريات بحرية مقابل رأس الناقورة.

في ظل تكتم شديد اتفق عليه الطرفان حول المفاوضات، تبقى المداولات سرية تحت خيمة االيونيفيل في الناقورة. وهذا ما أكدت عليه قيادة الجيش في بيان صادر عن مديرية التوجيه وفيه “”التزام رئيس وأعضاء الفريق المفاوض التام والكلّي بتعليماتها لجهة عدم التصريح أو تسريب أي معلومات حول جلسات التفاوض”، ودعت وسائل الإعلام إلى “وعي دقة الأمر وعدم نشر أي معلومات ونسبها إلى رئيس وأعضاء الفريق”.

وشددت على “أن المعلومات الرسمية المتعلقة بجلسات التفاوض تصدر حصراً عنها وتُعمم عبر موقعها الإلكتروني وصفحاتها الرسمية كما يتمّ توزيعها على وسائل الإعلام”.

الوفد اللبناني عاد على متن طوافة عسكرية الى اليرزة، ويتوجه رئيس الوفد العميد بسام ياسين الى قصر بعبدا لإيداع محضر الجلسة السري لهذه المفاوضات عند رئيس البلاد ميشال عون.

وضم الوفد اللبناني، نائب رئيس الأركان للعمليات العميد الركن بسام ياسين رئيساً، والعقيد البحري مازن بصبوص، والخبير في نزاعات الحدود بين الدول نجيب مسيحي، إضافة إلى عضو هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط. فيما ترأس الوفد الإسرائيلي المدير العام لوزارة الطاقة أودي أديري، وضم مستشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رؤوفين عازر، ومدير دائرة القانون الدولي في وزارة الخارجية عاميت هويمان، والخبير الدولي في شؤون الحدود حاييم سرفارو وهو من أصل بولندي شغل سابقاً منصب المدير العام لمركز “مسح خرائط إسرائيل” وصاحب عدة كتب عن حدود الكيان الصهيوني. ويقود المفاوضات يان كوبيتش مساعد المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، بحضور الوسيط الأميركي السفير جان ديروشر. 

وفي ختام الجلسة الثالثة، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية بأنه تم الاتفاق على استئناف مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل الشهر المقبل، وذكرت الخارجية الأميركية بأن الوفدين اللبناني والإسرائيلي “أجريا محادثات بناءة بوساطة أميركية حول ترسيم الحدود”. 

وبالرغم من الجوقة الإسرائيلية التي ترى في المفاوضات إنجازاً لها على طريق تطبيع العلاقات، يشدد لبنان أنها تقنية وغير مباشرة، ولا أبعاد لها سوى تحصيل حقوق لبنان وثرواته في البحر والبر. فهي مفاوضات سيادية ترتكز على بنود القوانين الدولية، يقدم الوفد اللبناني خلالها عرضاً متماسكاً لموقف لبنان وحقوقه وفق الخطوط المرسومة سابقاً. ويعيد الخط البحري 2290 كيلومتراً بحرياً بالإضافة الى ما كان يسمّى بـ 860 كيلومتراً مربعا ًقبل طرح الموفد الأميركي فريدريك هوف عام 2012 باقتسامها، من خلال إعطاء لبنان 500 كيلومتر منها وتَرك 360 كيلومتراً منها لإسرائيل. والوفد بطبيعة الحال يقدم شرحاً مرفقاً بالخرائط الحديثة معطوفة على التفسير القانوني للقانون الدولي للبحار بكافة مقتضياته شكلاً ومضموناً.

وإذا سارت الأمور كما يشتهي اللبنانيون، وأنجزت المفاوضات الحق اللبناني، تُصاغ وثيقة مشتركة يتم إيداعها لدى الأمم المتحدة مع الخرائط والمستندات الملحقة، تعترف فيها إسرائيل بسيادة لبنان على حدوده البحرية والبرية المرسّمة والمحدّدة والمتفق عليها، بما تختزنه من نفط وغاز وثروات أخرى.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى