مشاهد الفقر والهجرة والغرق تُطوّق طرابلس: مدينة إمّ الفقير تعاني
أكثر من حادث وقع نهاية الأسبوع الماضي وبداية الأسبوع الجاري في طرابلس، سلطا الأضواء على الأوضاع المعيشية الضاغطة التي يرزح تحتها الغالبية العظمى من المواطنين، والتي تنذر بمزيد من الحوادث المشابهة، وبالتالي المزيد من المآسي.
الحادث الأوّل وقع أمام مركز وزارة الشّؤون الإجتماعية في منطقة القبة، عندما حاول رجل إضرام النّار في جسده، إحتجاجاً على عدم تسلّمه بطاقته التي تأخّرت لأسباب لم يفهمها، وهو تأخّر من شأنه أن يجعل عائلته تعاني من الجوع والعوز، لكنّ تدخل مواطنين كانوا موجودين داخل المركز وأمنيين منعوا النّار من أن تحترق جسده.
الحادث الثاني وقع في مدينة الميناء، وتحديداً عند شاطىء البحر فيها قبالة فرع جامعة بيروت العربية في طرابلس، عندما حاولت إمرأة من التابعية السّورية أن ترمي نفسها في البحر بقصد الإنتحار، بعد اليأس الذي دبّ فيها والغضب الذي انتابها، بعد فشلها في الحصول على “فيزا” للهجرة إلى الخارج، برغم محاولات عدّة بذلتها في سبيل ذلك، لكنّ مواطنين وعناصر شرطة البلدية وأمنيين قاموا بإنقاذها في آخر لحظة.
الحادث الثالث تمثل في إبحار ثلاثة قوارب غير شرعية من محلة البرج ومحلة عرمان عند شاطىء المنية، شمال طرابلس، متّجهين نحو إيطاليا، وعلى متنها مهاجرين غير شرعيين لا يقلّ عددهم عن 200 شخص جرى توزيعهم على القوارب الثلاثة، وأنّ المهاجرين اللبنانيين من بينهم أغلبهم من عكّار، وتحديداً من بلدات ببنين والعبدة والقرقف ووادي الجاموس، إلى جانب عدد من المهاجرين السّوريين والفلسطينيين، وهم أبلغوا أقرباءهم أنّهم وصلوا سالمين إلى وجهتهم، بعدما نشروا صوراً لهم على منصّات مواقع التواصل الإجتماعي وهم على متن القارب وسط البحر، برغم أعطال تقنية تعرّضت لها القوارب، والقلق من نفادها من المازوت بسبب المسافة البعيدة التي يُفترض بالقوارب إجتيازها.
كلّ ذلك كان يجري بينما كانت الغوّاصة Spices 6 تحاول الغوص إلى أعماق البحر قبالة شاطىء طرابلس لانتشال قارب غرق في 23 نيسان الماضي في عرض البحر، على بعد نحو 6 كيلومترات من الشاطىء قرب محمية جزر النخل، يُقدّر من كانوا داخله حين غرقه أكثر من 30 شخصاً، أغلبهم من النساء والأطفال، بعدما تمّ إنقاذ عدد من الأشخاص وانتشال عدد من جثث الغرقى بعدما طفوا على سطح مياه البحر.
لكنّ الغوّاصة المذكورة لم تتمكن في يومها الأوّل من القيام بالمهمة المطلوبة منها بسبب قوّة الرّيح وارتفاع موج البحر، ما جعل أهالي المفقودين الغرقى يصابون بخيبة أمل كبيرة، وهم الذين كانوا يُعوّلون على انتشال جثثهم، أو بقاياها، أو انتشال أغراضهم الشخصية، من قعر يُقدّر بنحو 470 متراً في عمق البحر.
هذه الحوادث مثّلت تعبيراً عن اليأس الذي أصاب ويصيب القاطنين في مدينة إمّ الفقير، كما تُلقب، والتي بات أكثر من 80 في المئة من سكّانها يقيمون تحت خطّ الفقر وفق آخر الدراسات والإحصاءات بهذا الشّأن، وهي حوادث تعكس قمّة التناقض بين غرقى تبذل جهود ضخمة من أجل انتشال جثثهم، ومواطنين يعبرون البحر في مغامرة غير مضمونة ومحفوفة بالمخاطر، ومهدّدين في أيّ لحظة بالغرق وأنْ يلقوا فيها مصير من سبقهم، نحو بلاد يأملون أن يحققوا فيها الحدّ الأدنى من أحلامهم وطموحاتهم.
المخاطرة بالهجرة بهذا الشكل عبر قارب خشبي بالكاد صلح لصيد السمك، دفع كثير من الناشطين إلى التعليق تعبيراً عن واقع الحال. شادي ديب قال: “هم ركبوا البحر في مركب صغير وغير آمنٍ واتجهوا نحو المستقبل، ونحن نركب الوطن في مركب كبير وغير آمن، ووجهتنا نحو الجحيم”. أمّا يوسف شتوي فعلق قائلاً: “تخيّلوا أنّ هذا المركب يُبحر به أبناء طرابلس والشّمال إلى اليونان. الناس كفرت بأوطانها”.
عبد الكافي الصمد