مغارة الكوستابرافا: فضائح بالجملة والآتي أعظم
من الناعمة (سابقاً) إلى الكوستابرافا أمس واليوم، لا شيء تغيّر، مواقع محمية يُمنع الدخول إليها أو الدنو منها؛ فهي أقرب ما تكون إلى “إقطاعات” مصادرة لصالح مافيا النفايات، ما يعزّز القناعة بأنّ ثمة أموراً يُراد أن تظلَّ بعيداً عن أعين الناشطين وعن عدسات الإعلام، حتى أنّ من هم على بيّنة من واقع الحال يأثرون الصمت “لشو وجع الراس؟” هاتف الشركة المشغّلة يرّن ولا من يجيب، هواتف من اتصلنا بهم خارج الخدمة، البعض استقال من موقعه في إدارة المطمر ولم يرغب في الحديث لظروف خاصة، ولا يُلام.
وما يشي بحجم المشكلة أنّ رئيس بلدية معنية بالمطمر شكا إلينا بدلاً من أن نشكو إليه “لو فيي إستقيل”، فيما وزارة البيئة استقالت منذ أمد بعيد، وصار الملف في عهدة أُولي الأمر من المتحاصصين الطامعين بما ينجم عن ردم البحر من مسطحات قابلة للإسثمار، وكأنّ لكل “زعيم” حصته المفرزة مسبقاً.
مغارة “الكوستابرافا”
ما شهدناه في مطمر الناعمة في تسعينيات القرن الماضي يتكرّر اليوم، مغارة “الكوستابرافا” محكمة الإغلاق، ما يعكس “شفافية” نادرة في مقاربة واحد من أكثر الملفات هدراً للمال العام، وهذا ما يفسّر إحراق معامل المعالجة في بعض المناطق، ليتسيَّد من بيدهم الحلّ والربط، فيما ثلث موازنات البلديات تُهرب لصالح شركات غير منفصلة عن مبدأ التحاصص، ودائماً بالقِسطِ والعدل بين ممثلي الطوائف وضمن منظومة السلطة المحكومة بسقوف معروفة انكشفت قبيل إعداد الخطة الجهنمية المؤقتة لمعالجة النفايات، فكانت “مأثرة” الكوستابرافا وتوابعه.
مشكلة النفايات اليوم أكبر من أزمة متصلة بعدم توفير المال للشركات المعنية بالكنس والجمع، ومشهد النفايات في الشوارع ليس إلا “ميني كارثة” في مقارنة مع ما سيكون عليه الوضع بعد استنفاد الكوستابرافا قدرته الإستيعابية، أي بعد نحو سنة من الآن، فهل من خطة استشرافية؟ إلى الآن الإرتجال سيد الموقف، والآتي أعظم.
بلدية الشويفات: نحو المجهول
بلدية مدينة الشويفات المعنية بالكوستابرافا تواجه تبعات الأزمة، وبحسب ما أشار رئيس بلديتها زياد حيدر لـ “أحوال”: “نذهب نحو المجهول بكل الأمور”، لافتاً إلى أنّه “بالنسبة إلى الكوستابرافا لدينا فترة سنة، لكن بعدها ما هو البديل؟” ليضيف: “البديل الخراب في بلد يحكمه الغربان فكل يوم مفاجأة”.
وقال حيدر: “نحن في الشويفات من أكثر البلدات المتضررة من أزمة النفايات، لدينا معمل فرز، محرقة ومطمر، ومعمل تسبيخ جار العمل عليه، بالإضافة إلى الكوستابرافا، وُعدنا بحوافز مقابل هذه المعامل، من ملاعب وحدائق ومؤسسات تنموية، كله نفاق وكذب، لا شيء إلا النفايات”.
والسبب برأي حيدر هو “ضعف السياسات في هذا الملف، وعندما يريدون أمراً ما يأتون إلينا، وان احتججنا نرى (نجوم الظهر)، نفايات الجبل وبيروت وبعبدا وكثير من المناطق تصب لدينا، وعلى أساس أنّ الكوستابرافا حل مؤقت؛ أين الأموال التي صرفت للحلول؟ لو أستطيع لقدمت استقالتي، طمروا آلاف ملايين الأطنان وفرزوا ما لا يزيد عن 10 و15 بالمئة، كل الحلول عبر الطمر، ولو دعمت المعامل بالآليات والمعدات لجهة التحسين والصيانة والكفاءة لتمكنا من فرز المزيد، ولما وصل المطمر لدرجة استنفد معها قدرته الإستيعابية في هذا الوقت القصير، كما أنّ لا مواصفات ولا معايير التُزم بها في معظم الأوقات”.
سيتي بلو: بوادر خير
توازياً، أكد رئيس مجلس إدارة “سيتي بلو” ميلاد جورج معوّض لـ “أحوال” “اجتماعاً عُقد حول موضوع أزمة النفايات مع وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وطُرحت حلول عدة، وهي حلول مادية لاستمرارية عملنا، لا سيما وأنّ ديوننا لدى المصارف ولا يتم استيفاء قروضنا المعقودة بالدولار بما يوازيها بالليرة، وقد قمنا بناء على أجواء الإجتماع الإيجابية بمعاودة عملنا منذ الأمس”.
وعن طبيعة الحلول المقترحة، فضل معوّض عدم الخوض فيها، فضلاً عن أنّه “لا تأكيد من مصدر مصرف لبنان”، ولكنه وصفها بـ “بوادر خير”، وأنّ “الأزمة ستتجه للحلحلة خلال ثلاثة أيام”، مشيراً إلى أنّه “80 بالمئة من مدفوعاتنا بالدولار، ولن أتكلم عن موضوع (الأموال الطازجة) Fresh Money بالدولار، ولكن على سبيل المثال الكلفة زادت إلى حدود غير معقولة، مع تسعيراتنا بتحويل الدولار إلى ليرة لبنانية، فالكلفة زادت ويدفعون بالليرة”.
القاضي: تعنت المسؤولين يعيق العمل
أمين سر الحركة البيئية اللبنانية المحامي عماد القاضي ومن موقع متابعته لموضوع الكوستابرافا، قال لـ “أحوال”: “منذ البداية واجهنا ونواجه هذا المكب، وتقدمنا بشكوى لدى النيابة عن (تجمع الشويفات مدينتنا)، تحت رقم /3083/2016 وكانت الجلسة الأولى بتاريخ 20/10/2016، وحتى اليوم لم يتم التحقيق مع أحد، لجهة المخالفات وعدم إجراء تقييم الأثر البيئي ولا دراسة قبل البدء بتخريب سطح الأرض”.
وقال القاضي: “تابعنا ملف النفايات منذ أكثر من 15 عاماً، ونحن نطالب بمعالجة النفايات المنزلية وفقاً للهرم المعتمد عالمياً والإقلاع عن الطمر الكلي للنفايات، وهذا ما لم يتحقق بسبب تعنت المسؤولين، بهدف الكسب السريع والسمسرات والنهب، إلاّ أنّه ومنذ إقفال ملف مطمر الناعمة، وبدء العمل المؤقت في الكوستابرافا وبمساحة محددة حوالي 150 ألف متر مربع، وفقاً للعقد الأساسي منذ الأزمة في العام 2015، كان من المفترض فرز نفايات 8 بلديات، لتضاف ملاحق على القرار الأساسي لتشمل الشوف وعاليه وبعض قرى قضاء بعبدا، ولتتسع المساحة إلى الضعف، وبما أنّ الفرز لم يطاول ما نسبته 5 أو 6 بالمئة من النفايات، ازداد حجم النفايات وفقد المطمر قدرته الإستيعابية سريعاً، وفي أقل من سنة سيمتلئ تماما، ما يمهد للتمدد وتوسيع المطمر في الشمال الغربي، وطمر المزيد من المساحات البحرية”.
نهب الرمول وأعمال تخريبية
وأشار القاضي إلى أنّ “المعنيين وعدوا باستراتيجية الفرز لنفاجأ بأعمال تخريبية تطال معامل الفرز في بعلبك والشوف والنبطية (حرائق)، والمشكلة أنّ وزارة البيئة ووزير البيئة لا يجيبان، وثمة حالة من اليأس والإحباط لدى الناس، خصوصاً ألا حلول ظاهرة في المدى القريب أو البعيد أو حلول جذرية”.
وعن “نهب الرمول” قال: “هناك سرقة رمول بحرية بكميات هائلة، وبإذن غير شرعي من وزارة الأشغال، والرمول كما هو معروف ملك عام، ويجري شفطها وبيعها بتغطية غير قانونية وغير شرعية”.
وكشف القاضي عن فضيحة جديدة، لافتاً إلى أنّ “هناك نية لتأجير سطح المطمر في القسم الأول وجزء من القسم الثاني، لشركة مستجدة من 3 أشخاص بهدف وضع ألواح شمسية لتوليد الكهرباء لشركة تراعى فيها المحاصصة الطائفية؛ وعلى الرغم من تغطية عقد الإيجار بموضوع الطاقة المتجددة، إلا أنّ المريب في الموضوع أنّه أكبر من مجرد طاقة شمسية، وعلى الأرجح صفقة جديدة بين أحزاب السلطة، كون عقد الإيجار لمدة 20 سنة، ودفتر الشروط والعقد لم يُحدد فيهما وجهة الإستعمال، ما يجعلنا نشك بالنوايا وراء عملية استئجار الأرض”.
أنور عقل ضو