سياسة

خفايا التحقيقات مع هنيبعل القذافي

باريس – نضال حمادة
تمر الذكرى الرابعة والأربعون لاختفاء السيد موسى الصدر ورفيقيه في ليبيا دون الكشف عن ملابسات الإختفاء ولا عن مصير السيد ورفيقيه حتى الآن.
خلال العقود الأربعة الأخيرة تغيّر العالم، سقطت أنظمة عديدة في العالم عامةً وفي العالم العربي خاصةً وعلى رأسها نظام معمر القذافي في ليبيا… قُتِل القذافي الأب وثلاثة من أولاده، وسقطت الدولة وأتى حكم جديد في ليبيا، لكن قضية الإمام الصدر بقيت غامضة مجهولة، أقله بالنسبة لعائلات الصدر ومرافقيه وعلى الناس في لبنان من محبي الصدر وأتباعه ومن الفئات الأخرى.

تشردت عائلة معمر القذافي بعد سقوط حكمهم الذي دام 42 عاماً وتشتت أفرادها في عدة بلدان، ودخل هنيبعل القذافي الى الجزائر في موكب كان فيه والدته صفية وأخته عائشة وإثنان من أشقائه.

الجزائر كمحطة أولى
تروي مصادر جزائرية تابعت عملية دخول موكب آل القذافي إلى البلاد، أنهم قد أتوا بموكب بلغ تعداده حوالي سبعين سيارة، والتفوا عبر الصحراء على مواقع مسلحي المعارضة، حيث وصلوا إلى الحدود الجزائرية فاستوقفتهم الشرطة حوالي ساعتين حتى وصلت الأوامر من الرئيس الراحل عبد العزيز بو تفليقة بإدخالهم الى الجزائر.

وتقول المصادر، أن مسلحي المعارضة الليبية كانوا يشاهدون الموكب ينتظر إذن السماح بالدخول إلى الجزائر دون أن يتحركوا أو يقوموا بأي فعل، وقد حضر الى النقطة الحدودية، التي تُستخدم للتهريب بين الجزائر وليبيا، مسؤولون محليون جزائريون حيث تمَّ نقل عائشة عبر طائرة هليكوبتر إلى مشفى عسكري للولادة، كونها كانت حامل في الشهر التاسع، بينما اصطحب موكب عسكري من الوحدات الخاصة الجزائرية عائلة القذافي إلى مدينة “جانت” حيث أُسكنوا في فيلا ملك الدولة الجزائرية وقد أنجبت عائشة بنت سمتها “أمل جانت” على اسم المدينة.

إلى عُمان ومنها الى سوريا
خرج هنيبعل من الجزائر إلى عُمان على إثر خلاف مع الشرطة الجزائرية، حيث أبلغه مسؤولون في الولاية أنهم لن يقبلوا أي اتصال منه نظراً لعصبيته وتعاطيه الاستعلائي معهم، ومن عُمان غادر إلى سوريا التي أعطته حق اللجوء السياسي وسكن مع زوجته اللبنانية وولديه في سوريا حتى اختطافه من دمشق بتخطيط من أولاد الشيخ محمد يعقوب الذي اختفى مع السيد موسى الصدر في ليبيا.

إلى لبنان… بين السياسة والقضاء
مصادر مقربة من هنيبعل القذافي تقول أن “النائب السابق حسن يعقوب هو من سلّمه لفرع المعلومات” فيما يقول يعقوب أن “المسؤول السابق في حركة أمل الراحل عقل حميه هو من أخبر رئيس مجلس النواب نبيه بري بوجود هنيبعل القذافي لدى أبناء الشيخ محمد يعقوب” في قصة يعرفها الكثيرون.

بتاريخ (11/12/2015) أُوقف هنيبعل القذافي من قبل شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي إنفاذاً لاشارة حمراء صادرة بحقه عن الانتربول الدولي حسب القضاء اللبناني (ينفي محامي هنيبعل ياسر حسن وجود مذكرة انتربول ويقرّ بوجود، دعوى مقامة ضده من سلطات بلاده حينها وهي دعاوى اقامتها السلطات الليبية ضد جميع أبناء القذافي).

مصادر القضاء اللبناني تفيد بأن “ليبيا كانت تطالب باسترداد هنيبعل بتهمة التسبب بإبادة جماعية كونه كان مسؤولاً عن المخابرات البحرية، وكان يقوم بنقل مرتزقة أفارقة الى ليبيا للمشاركة في قمع الشعب الليبي، وبناءً على ذلك أوعز مدّعي عام التمييز القاضي سمير حمود بتوقيفه”.

وفي اليوم التالي أي بتاريخ 12/12/2015 تقدمت عائلة الامام الصدر بطلب من المحقق العدلي للإستماع اليه كشاهد حول ما يملكه من معلومات عن قضية الامام موسى الصدر.

تاريخ ومكان ومن إحتجز السيد الصدر
استجاب المحقق العدلي القاضي زاهر حمادة واستمع للقذافي يوم الإثنين 14/12/2015 في جلسة استمرت عدة ساعات كشاهد، حيث فوجىء القاضي زاهر حمادة بما يملكه هذا الشاهد من معلومات حول المتورطين في عملية خطف واماكن احتجاز الامام الصدر.

القاضي حمادة، في بداية جلسات الإستماع كان أخبر القذافي أنه يستمع إليه كشاهد في القضية والقانون اللبناني يسمح باستجواب الشهود دون حضور محامٍ.
ومما قاله القذافي أن السيد موسى الصدر كان لا يزال حياً في العام 1982، وأنه كان محتجزاً في منطقة “جنزور”، وبحسب المصادر القضائية اللبنانية المتابعة لملف التحقيق، تحدث هنيبعل على مدى ساعات وبصفحات عديدة وقع عليها بنفسه عن عملية الخطف وعن مسرحية سفر روما الشهيرة.

وأفاد أن “هذه المعلومات حصل عليها بعدما أصبح مسؤولاً في الدولة التي كان يقودها والده واهتمامه بالقضية كونه متزوج من لبنانية (السيدة ألين سكاف)”.

هنا وعند هذا الحد توقف هنيبعل القذافي عن الإدلاء بمعلوماته الباقية مشترطاً مغادرة لبنان وقال أنه “سوف يدلي بكل المعلومات المتبقية لديه فور صعوده الى الطائرة”.
هنا قال له القاضي حمادة “أنا لم أوقفك بالأساس بل تم توقيفك بسبب إشارة الأنتربول، لكن الآن أنت موقوف لدي بجرم كتمان معلومات جنائية”، ومن ثمّ أسند إليه جرم التدخل اللاحق بجرم الخطف كونه يعلم الكثير عن الجريمة ولا يعلمها الا من كان متدخلا فيها.

وأضاف القاضي حمادة “يحق لك تعيين محامي وهناك محامية في الممر (بشرى خليل) تنتظر أن توكلها للدفاع عنك” فرفض هنيبعل توكيل المحامية بشرى الخليل حينها (أوكل عدد من المحامين الدفاع عنه وفيما بعد أوكل بشرى خليل)، وأعلن استعداده للاستجواب دون وجود محامٍ.

جلسات الاستجواب

وفي جلسة الإستجواب كرر موقفه السابق قائلاً “سوف أكشف ما تبقى لدي من معلومات في الطائرة حين أغادر لبنان”، فأصدر عندها القاضي زاهر حمادة مذكرة توقيف وجاهية دائمة بحقه، وتوالت إجراءآت التحقيق معه، إلى أن تقدمت بعد شهر المحامية بشرى خليل بدعوى “الإرتياب المشروع بوجه القاضي زاهر حمادة” أمام الغرفة الجزائية المختصة في محكمة التمييز أدت الى تجميد الملف،
أصدرت المحكمة المذكورة برئاسة القاضي جوزيف سماحة قراراً بكف يد القاضي زاهر حمادة عن الملف، غير أن ثغرات كثيرة في قرار القاضي سماحة سمحت بتقديم طعن الهيئة العامة لمحكمة التمييز المؤلفة من رئيس مجلس القضاء الأعلى وعشرة قضاة من كل الطوائف اللبنانية، فأصدرت الهيئة قراراً بإبطال حكم محكمة التمييز الجزائية التي يرأسها القاضي جوزيف سماحة وأعادت الملف إلى يد القاضي زاهر حمادة الذي تابع التحقيقات واستجوب هنيبعل القذافي اكثر من مرة، وصدر بحقه حكماً قضى بحبسه مدة سنة وخمسة أشهر بجرم تحقير القضاء.

القذافي ورّط نفسه قصداً؟
مقربون من هنيبعل القذافي قالوا إنه وضع نفسه قصداً في موقع المتهم، كاتم المعلومات، حتى لا يتم ترحيله إلى ليبيا.
ومما أفادوا به أن “القذافي لا يعرف شيئاً عن موضوع اختفاء السيد موسى الصدر ورفيقيه، كونه كان طفلاً في عمر السنتين عند حصول جريمة الإخفاء”، فيما يرد القضاء اللبناني وذوي الإمام الصدر ورفيقيه أن “هنيبعل مثله مثل كل أبناء معمر القذافي عندما كبروا أصبحوا مسؤولين كبار في الدولة التي حكمها والدهم لمدة 42 عاماً”.

ويستدل مُتهمو هنيبعل أنه “كان من المسؤولين الكبار إبان حكم أبيه باتهامات المعارضة الليبية له قبل سقوط حكم القذافي أنه كان ضابطاً في المخابرات البحرية الليبية”.
كما يستدلون بالأزمة الدبلوماسية التي نشأت بين ليبيا وسويسرا بعد توقيف هنيبعل القذافي في جنيف في العام 2008 وسجنه بتهمة تعذيب خدمه، وكيف أن ليبيا طلبت اعتذاراً رسمياً من سويسرا يومها وسحبت أرصدتها المالية من البنوك السويسرية غضباً من توقيف هنيبعل.

السلطات الليبية تساند هنيبعل: فتشوا عن أحمد قذاف الدم
يقول المقربون من هنيبعل القذافي أن “السلطات الليبية ألغت أخيراً الدعوى ضده وأرسلت رسالتين الى لبنان:
رسالة موجهة من مجلس النواب الليبي الى مجلس النواب اللبناني بتاريح 28/08 /2019 تطالب بالإفراج عن هنيبعل القذافي،
رسالة من نائب مجلس الرئاسة في حكومة الإنقاذ الليبية بتاريخ 5 /2/2019 موجهة إلى وزير العدل اللبناني يومها ألبير سرحان تنفي تبوؤ هنيبعل القذافي أي منصب أمني خلال عهد أبيه (حصلنا على صور لكل من الرسالتين).

هاتان الرسالتان تضعها مصادر متابعة في خانة انحياز حكومة الوفاق الليبي إلى هنيبعل القذافي وعدم تعاونها مع لبنان في ملف الإمام موسى الصدر ورفيقيه بسبب ارتباطها بمصر التي تحمي وتأوي أحمد قذاف الدم القذافي إبن عم معمر القذافي وأحد أعمدة نظامه،

تقول مصادر لبنانية أن “الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد تدخل لدى رئيس النواب اللبناني نبيه بري لإطلاق سراح هنيبعل القذافي دون جدوى، وبات معلوماً أن أحمد قذّاف الدم يدعم الاقتصاد المصري منذ وصول السيسي الى الحكم، ويستثمر في مصر عدة مليارات من الدولارات من أموال عائلة القذافي المتواجدة في أفريقيا وأندونيسيا والهند…

الجمعة المقبل الجزء الثاني

نضال حمادة

نضال حمادة كاتب وصحافي لبناني مقيم في باريس، خبير في شؤون الجماعات السلفية المحاربة، له عدة كتب: صناعة شهود الزور، الوجه الآخر للثورات العربية، أسرار حرب القصير، خفايا وأسرار داعش. حائز على دبلوم في علوم الطيران من جامعة باريس ٨.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى