تتسيّد الأجواء الإيجابية الملف الحكومي في ظل ارتفاع منسوب التفاؤل بولادة وشيكة للحكومة أقصاها مطلع الأسبوع المقبل إذا ما سارت رياح التشكيل كما يشتهي المؤلفون.
فما هي آخر المعطيات وهل سنشهد ولادة حكومية سريعة أم أنّ العِقد أصعب من أن تُذلّل في بضعة أيام ومن دون تفاوض وشدّ حبال بين القوى السياسية كما جرت العادة؟
نقطتان حاسمتان
مصادر مطّلعة أشارت لـ”أحوال” إلى أنّ إعلان ولادة الحكومة متوقف عند موافقة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على نقطتين أساسيتين: حسم الحصة المسيحية وتوزيع الوزراء والحقائب على الكتل النيابية التي تمثل المسيحيين في المجلس النيابي، والثاني على تراجع رئيس الجمهورية عن مبدأ المداورة الشاملة في الحقائب سيما وزارة المالية. ورجّحت المصادر ولادة الحكومة خلال عطلة نهاية الأسبوع، إذا ما تذللت العقد المتبقية، وأكدت أنّ هناك شبه اتفاق على أن تكون الحكومة مؤلفة من عشرين وزيراً من غير الحزبيين بل من الإختصاصيين المسيسين. أما الحكومة، فستقوم على توازن سياسي من ثلاث أثلاث مع وزيرين إضافيين:
6 وزراء لثنائي أمل وحزب الله وحلفائهما.
6 وزراء لرئيس الحكومة وتيار المستقبل وحلفائهما.
6 وزراء لفريق رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وحلفائهما، إضافة إلى وزير درزي ثانٍ يجري اختياره بالتوافق بين ثلاثي عون – رئيس الحزب الإشتراكي وليد جنبلاط – والنائب طلال أرسلان، ووزير مسيحي آخر يفترض أن يكون مشتركاً بين عون والحزب السوري القومي الاجتماعي.
وبحسب المصادر، فإنّ مبدأ المداورة الذي يتمسّك به عون لا يشمل وزارة المالية التي حُسمت خلال مشاورات التأليف التي تولاها السفير مصطفى أديب ومع الحريري قبيل تكليفه، أمّا وزارة الطاقة فلم تُحسم وربما لن تكون للتيّار الوطني الحر وسيجري مقايضتها بوزارة الأشغال، كما أنّ وزارة الداخلية تنتظر اعتماد مبدأ المداورة لمبادلتها بالخارجية بين الرئيسين عون وسعد الحريري.
ووفق المصادر، فإنّ حزب الله سيسمي وزراء إختصاصيين غير محزبين لكنهم يؤديون المقاومة سياسياً وكذلك حركة أمل، كما أنّ الحزب سيطالب بوزراة الصحة لكنه لن يصرّ عليها إذا كانت ستعرقل التأليف، علماً أنه لم يحسم من الحصة الشيعية سوى المالية.
وتتحدث المصادر عن ثلاث عقد ممكن أن تعرقل التأليف:
إذا أصرّ عون على مبدأ المداورة الشاملة.
إذا رفض الحريري إعطاء الداخلية لعون مقابل نيله الخارجية أو الدفاع.
إذا أصرّ جنبلاط على تسمية الوزير الدرزي الثاني.
هاشم: المالية محسومة
وفي سياق ذلك، أكد عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم، لـ”أحوال” أنّ “الأجواء الحكومية إيجابية والنوايا جيدة لدى مختلف الأطراف وهناك تفاهم شبه نهائي حول صورة الحكومة، وهي ستكون شبه تكنوسياسية لكن بوزراء من ذوي اختصاص بخلفيات سياسية ستسميهم الكتل بعرض عشرة أسماء لكل حقيبة، على أن يختار من بينهم الرئيس المكلّف بالتعاون مع رئيس الجمهورية”. وكشف أنّ “الحكومة ستكون من 20 وزيراً، فيما باتت وزارة المال خارج النقاش وستكون من حصة التنمية والتحرير باسم غير حزبي، والمداورة مطروحة على الحقائب الأخرى”. ورفض قاسم وضع مهلة محددة لولادة الحكومة مضيفاً أنّ “الأيام الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة، مشيراً إلى أن الرئيس نبيه بري أبدى استعداده للتدخل لتذليل أي عقدة ممكن أن تظهر على طريق التأليف.
توجّس مسيحي
في المقابل، أشارت أوساط مطّلعة على مقرّ رئاسي شريك في مشاورات التأليف لموقع “أحوال” أنّ “التشاور مستمر ومكثف على خط بعبدا – بيت الوسط على مدى ال24 ساعة، لكن لم يتم الاتفاق النهائي على هيكلية الحكومة وحجمها وتوزيع الحقائب، ولا على الأسماء بل يجري جوجلة الأفكار التي طرحها الرئيس المكلّف على رئيس الجمهورية”. ولفتت الأوساط إلى أنّ تفاصيل الحكومة تحتاج إلى مزيد من الوقت ولا يمكن التكهّن بتوقيت معين لولادة الحكومة في ظل توجّس مسيحي من اتفاق بين المسلمين على الحكومة وتهميش المسيحيين، وهذا يظهر بموقف البطريرك الماروني بشارة الراعي أمس ورسالته إلى الرئيس المكلّف. اللافت أنّ موقف البطرك لا يعبّر عن موقف الكنيسة فحسب، بل عن موقف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بحسب مصادر الطرفين.
ومع أنّ التكتم سيد الموقف في بعبدا، لكن أوساط مطّلعة أشارت إلى أنّ رئيس الجمهورية يلعب دوره ويمارس صلاحياته كشريك للرئيس المكلّف في تأليف الحكومة وفقاً لما ينص عليه الدستور، وبالتالي سيقف عند كل تفصيل لكي تأتي الحكومة على قدر آمال وتطلعات اللبنانيين وتكون قادرة على مواجهة التحديات وإنقاذ البلد، مع تأكيدها بأنّ رئيس الجمهورية سيسهّل قدر الإمكان، ولا مصلحة له ولا للبلد بتأخير الحكومة. وشدّدت المصادر على أن العلاقة عادت إلى مجاريها بين الرئيسين عون والحريري وهذا ما ظهر خلال عملية التكليف وفي لقائي السبت والأحد.
صمت بيت الوسط
ووفق أجواء بيت الوسط الذي يعتصم بالصمت الشديد على قاعدة “تعاونوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”، فإنّ الحريري يبذل قصارى جهده للإنتهاء من تشكيل الحكومة قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية لتقدير المحيطين به بأنّ الضوء الأخضر الأميركي الممنوح له الآن للسير في تأليف الحكومة، قد يتغير مع رحيل الإدارة الحالية، وتبوّء إدارة جديدة سدة المسؤولية ما يعني ترحيل الملف الحكومي إلى أشهر ريثما يستتب الإستقرار في الحكم في أميركا.
أميركا بين خيارين
في المقابل، أشار مصدر في فريق المقاومة لـ”أحوال” إلى أنّ المؤشرات الإقليمية والدولية مساعدة على إنتاج حلّ في لبنان مع أخذ الحذر بشكل دائم من المكر والغدر الأميركي، ولفت إلى أنّ “أميركا وبعد فشل مشاريعها ورهاناتها في لبنان والمنطقة وجدت نفسها بين خيارين: إمّا حكومة تحدّي تؤدي إلى انهيار لبنان ومعه حلفائها من فريق 14 آذار سابقاً، وبالتالي تهديد المصالح الغربية في لبنان لصالح دول وقوى إقليمية تعتبر خصماً لأميركا كروسيا والصين أو عدوة كإيران وإما حكومة تسوية رابح – رابح فاختارت الثاني”.
واعتبر المصدر أنه رغم تأثير بدء مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي على المسار الحكومي، إلا أنّ لا رابط عضوي بينهما، مع إشارة المصدر إلى أنّ تأجيل موعد الجلسة الثانية من المفاوضات إلى 28 الجاري غير مبرر وهو مرتبط بما قد يظهر في الملف الحكومي، كما أشار إلى أن لا تأثير لنتيجة الانتخابات الأميركية على موضوع الحكومة بعدما باتت ولادة الحكومة لعبة داخلية مع بقاء عامل التأثير الخارجي قائماً. ورأى في استمرار واشنطن بالعقوبات المالية على مسؤولين في حزب الله تغطية على التنازلات التي قدمتها واشنطن في لبنان في ملفي الترسيم والحكومة، وتوقع المصدر أن يعلن عن عقوبات أميركية جديدة عشية تشكيل الحكومة لحرف الأنظار عن تراجع الأميركيين في لبنان لصالح تأليف حكومة تريح حزب الله في لبنان بعد سنوات من الضغوط والحصار والتعطيل.
محمد حمية