سياسة

تسوية لقضية المرفأ.. فهل يُطلق مسار التحقيق مجدداً أم يؤجل للعهد الجديد؟

خبراء قانونيون لـ"أحوال": توقيع مرسوم التشكيلات القضائية سيحدد مصير بيطار والملف

تحل الذكرى السنوية الثانية لانفجار مرفأ بيروت ولم تتمكن التحقيقات من الوصول الى خاتمة سعيدة بكشف السبب المباشر للانفجار والمسؤولين المباشرين والغير مباشرين عنه، لأسباب عدة منها سياسية وقضائية وأخرى خارجية، وبالتالي تبقى الحقيقة مجهولة والعدالة مغيبة، إذ أن مسار التحقيق عُطِل أكثر من مرة مع المحقق العدلي السابق القاضي فادي صوان، ولا يزال معطلاً منذ أشهر مع المحقق الحالي القاضي طارق بيطار، بعدما كفت يده إثر الدعاوى التي رفعت بحقه من جهات متهمة بسبب أدائه المشبوه والمسيس كما يقول فريق سياسي واسع في لبنان على رأسه حزب الله وحركة أمل وتيار المردة الذين يشعرون بالاستهداف المباشر لاقتصار الادعاء على وزراء منهم من دون غيرهم.
ويرى هذا الفريق وفق أوساطه لـ”أحوال” أن المحققين العدليين السابق والحالي واضافة الى مخالفتهما لنصوص الدستور والقانون الذي يحدد أصول استدعاء واتهام ومحاكمة الوزراء والنواب والرؤساء المولج به المجلس الأعلى لمحاكمة هؤلاء، لكنهما لم يركزان على التحقيقات من الجوانب التقنية والجنائية لمعرفة السبب المباشر للانفجار وما اذا كان متعمداً أم حدث عرضي، بل اقتصرت التحقيقات على الإهمال الوظيفي والمسؤولين غير المباشرين عن أمن المرفأ، فضلاً عن الاستنسابية وازدواجية المعايير في الاستدعاءات، وهذا ما أثار الارتياب في عمل المحقق وأدائه وأهدافه.
وتسأل الأوساط: لماذا لم يستدعِ القضاة الذين وقعوا على إذن دخول باخرة نيترات الأمونيوم الى لبنان ورسوها في المرفأ ووقعوا على تفريغ النيترات في العنبر رقم 12 وأهملوا حراستها حتى جرت سرقة كميات كبيرة منها وتهريبها الى سوريا وفق ما تقول المعلومات؟ علماً أن المسؤولين المباشرين عن أمن المرفأ هما القضاء والأجهزة الأمنية لا سيما استخبارات الجيش، وليس وزيري المالية والأشغال العام وهما وزيرا الوصاية فقط.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله طالب بتنحية القاضي بيطار كمدخل لاعادة تفعيل المسار القضائي للقضية، متهماً بعض الجهات بالتوظيف السياسي للانفجار ضد حزب الله وقوى أخرى. أما الهدف كما تقول جهات في الحزب هو إحداث فتنة طائفية وأهلية في لبنان وأحداث الطيونة مثال على ذلك.
فهل هي قضية قانونية بحت أم سياسية – قانونية؟ وما هو السيناريو القضائي – القانوني المطروح وما مصير القاضي بيطار في أي تسوية مقبلة؟
جهات مطلعة على الملف تكشف لـ”أحوال” عن تسوية سياسية – قضائية يجري الاعداد لها بين الرؤساء والمسؤولين المعنيين، تقضي بإحالة الوزراء المتهمين بالتفجير إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء وانتزاعها من يد المحقق العدلي، وتوقيع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل مرسوم التشكيلات القضائية وتعيين أحد أعضاء محكمة التمييز العليا بسبب إحالته على التقاعد، وبالتالي إعادة نصاب انعقاد هذه المحكمة للبت بدعاوى الارتياب المشروع ورد الطلب ومخاصمة الدولة التي رفعها المتهمون ضد الدولة وضد بيطار، ما يسمح لها البت بمصير بيطار وبالدعاوى المرفوعة، ثم تطلب المحكمة من المحقق العدلي متابعة عمله وفق ما ينص عليه الدستور وما يحقق العدالة شرط أن يستكمل تحقيقاته مع المتهمين من دون الوزراء، ثم يضع تقريره الظني ويتنحى وينتهي عمله ويحيل مجلس القضاء الأعلى الملف كاملاً مع محاضر التحقيقات والشهود والتقارير الأمنية وكل المعطيات الى المجلس العدلي ليستكمل تحقيقاته تمهيداً لإجراء المحاكمات.
وتلفت الجهات الى أن التوصل الى هذه التسوية جاء بعد مشاورات مكثفة بين وزير العدل هنري خوري ونائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب الذي التقى أهالي ضحايا المرفأ أكثر من مرة وبدفع من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يردد ضرورة تصحيح الشوائب القانونية لاعادة مسار التحقيق فيما ينتقد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أكثر من مرة عمل بيطار لا سيما لجهة عدم اخلاء سبيل الموقوفين بعد عامين لا سيما مدير عام المرفأ بدري ضاهر.
الخبير الدستوري والقانوني الدكتور عادل يمين يشير لـ”أحوال” الى أنه إذا تم توقيع وزير المال مرسوم التشكيلات القضائية على نحو يؤمن اكتمال عقد الهيئة العامة لمحكمة التمييز، بما يمكنها من النظر والبت بطلبات الرد الموجهة ضد قضاة في الغرفة المدنية الناظرة بطلبات الرد المقدمة ضد القاضي بيطار، فذلك يعني قرب البت بطلبات الرد المذكورة والفصل في استمرار القاضي بيطار في موقعه أم لا، على نحو ينهي التعطيل القائم في مسيرة التحقيقات سواء من خلال القاضي بيطار في حال رد طلبات رده او البديل عنه في حال تم قبول طلبات الرد.
أما تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فليس له بذاته أي تأثير على مسار التحقيقات وفق ما يقول يمين، إلا إذا قرر مجلس النواب إحالة أي من رؤساء الحكومات والوزراء عليه لمحاكمته في القضية بناء على اتهام يصدره بأغلبية الثلثين من أعضائه.
بدوره يوضح الخبير الدستوري الدكتور سعيد مالك لـ”أحوال” الى أنه “بحال أعاد مجلس القضاء الأعلى تصحيح مرسوم التشكيلات الجزئية، ووقعه وزير العدل بعدما وقعه وزير المال ومن ثم رئيس الحكومة فرئيس الجمهورية، فيفترض أن تكون قد تشكلت الهيئة العامة لمحكمة التمييز المخولة البت بطلبات مخاصمة الدولة المقدمة من قبل المتضررين والمدعى عليهم بدعوى انفجار المرفأ، وبالتالي مسار التحقيق سينطلق من جديد، أما مصير بيطار فلا يمكن تنحيته على الاطلاق بقرار سياسي من قبل الحكومة أو حتى من وزير العدل، إنما بقرار شخصي يصدر عن بيطار أو ضمن اطار مراجعة قضائية، أي بقبول طلب من طلبات الرد ومخاصمة الدولة أو نقل الدعوى”.
إلا أن جهات سياسية ورسمية معنية بالملف منذ حصول التفجير، ترجح لـ”أحوال” استمرار التخبط السياسي والقضائي في قضية المرفأ واستخدامها ورقة في التوظيف السياسي ضد أطراف معينة كما حصل في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث جرى إدخال الانفجار في الصراع السياسي الدائر في لبنان وحرف المسار القضائي عن مساره الصحيح وجرى “تكبير الحجر” لتضليل التحقيق وعرقلة الحقيقة وإثارة الغبار السياسي حولها، للضغط على القضاة لتسيير التحقيق لخدمة أهداف سياسية وتشريع الباب أمام الاستغلال الخارجي لتحقيق أهدافهم ومصالحهم الظاهرة والخفية، وبالتالي يبدو أن معالجة الملف سيؤجل الى العهد الرئاسي الجديد والحقيقة ستبقى مغيبة لعام إضافي وربما أكثر.

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى