سياسة

عامان على الفاجعة.. والعدالة رهينة التعثر

بعد عامين على فاجعة 4 آب، يوم تناثرت المدينة في الهواء وسقط أحباء ومحيت معالم أحياء وزواريب في الصدور وشوارع المدينة التي لا تهدأ من إعادة محاولة القيامة من تحت الردم، لا تزال الجراح نديّة طرّية بغياب العدالة المطلوبة في ظل منظومة مرصودة للإهمال والفساد وهدر مقدرات الوطن.

وجوه غابت وأسماء حفظناه وأخرى طوتها ذاكرتنا الطافية على أزمات وهموم وجراح لا تنتهي، لكنهم بقوا في خبز القهر اليومي لأحبتهم، ألم الفقدان الذي لا يزول.

المأساة الوطنية الكبرى التي أصابت لبنان وشعبه في الصميم، تحلّ ولا تزال آثارها ونتائجها غائرة في خاصرة وطن مدمى على المستويات كافة.
وأهالي الضحايا والجرحى يغرقون كل يوم في حزنهم، وعائلات الموقوفين في هذا الملف على معاناتهم بانتظار سيف الحق الفاصل بين الحرية والبراءة.

التزام إحقاق العدالة المستندة الى حقيقة كاملة، والمسار القضائي النزيه لمحاسبة كل من يثبت تورّطه، وشعار أن لا أحد فوق القانون، كلّها شعارات تناثرت قيمها مع الانهيار الكامل للدولة التي تناثرت مع حطام انفجار الرابع من آب.

الطائفية والزبائنية والاستثمار السياسي والتحريض الطائفي والمزايدات الشعبوية، التي تضرب البنيان اللبناني من ساسة وقضاة وجماعات وأحزاب، أصابت الحقيقة والعدالة في أكبر انفجار عرفته البشرية في القرن العشرين بعد “هيروشيما”.

 

مسار العدالة المتعثر
في آب 2020 تم تعيين قاضي التحقيق العسكري الأول بالإنابة فادي صوان محققاً عدلياً في ملف المرفأ، وعقب طلبه استجواب رئيس الوزراء السابق حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين قامت محكمة التمييز الجزائية، في شباط 2021 بتنحيته.

لاحقاً، تمّ تعيين القاضي طارق البيطار محققاً عدلياً في ملف تفجير المرفأ في شباط 2021. ومع تعيينه برزت فوضى سياسية وقضائية أدّت إلى مهاترات وسجالات قضائية وسياسية.
فقد ادعى البيطار على خمس شخصيات، هم الوزراء السابقون علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق ويوسف فنيانوس، إضافة إلى رئيس الحكومة السابق حسان دياب.

وبعد إصداره مذكرتي جلب بحق خليل وزعيتر، رُفِعت بوجههِ دعاوى كفّ اليد عن الملف، التي بلغت 35 دعوى، انتهت بتعطيل مسار العمل القضائي منذ كانون الأول 2021 حتى اليوم، والقاضي غائب عن العين والسمع.

الاستنسابية في انتقاء الشخصيات المدّعى عليها كانت أبرز تهمة توجّه إلى بيطار، وبحسب هؤلاء فإن بيطار لم يستدعِ وزراء سابقين ومسؤولين في قيادة الجيش، كما اعتبروا أن الادعاء على النواب والوزراء ليس من صلاحيات المحقق العدلي، أسوةً بالقضاة الذين حوكموا أمام المحاكم القضائية وليس أمامه، ويقولون إنه يجب على المحقق العدلي أن يحيل الملف إلى “المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”.

وفي ظل هذا الجمود، يُحيل النائب ملحم خلف، النقيب السابق لمحامي بيروت والمواكب لتحركات أهالي الضحايا، أسباب عرقلة التحقيق إلى وضع الملف في تجاذبات سياسية، وتحويل المطالبة بالحقيقة إلى وجهة نظر، كل واحد يتنازع عليها.

طال انتظار الحقيقة رغم أنها أمر بسيط لحل لغز الكارثة الأعظم، كيف تمّ تفجير مرفأ بيروت؟ ومن المسؤول؟ هل هو فعل إرهابي أمني؟ أم إهمال متعمد أو غير مقصود لجهة إدخال النيترات وتخزينها بسبب جهل المسؤولين وقلّة المسؤولية والإهمال المستشري؟

وتجدر الإشارة إلى أن الخارج يشارك في تعطيل مسار العدالة، حيث لم تلبّ دول عدة طلبات لبنان لحصول على صور الأقمار الاصطناعية للحظة وقوع الانفجار، كما أن تقارير خبراء أجانب شاركوا في التحقيقات الأولية لم يتم تسليمها للقضاء اللبناني حتى اليوم.

وكأن ثمّة توافق داخلي وخارجي على إبقاء العدالة معلّقة على باب حسابات لن تُدرَك حقيقتها إلا بعد أن تنهك الآلام ضحايا الأنظمة الفاسدة والمتوحشة في كل مكان في العالم.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى