منوعات

آن الأوان لإدراك أهمية الأخشاب المستدامة لصالح الكوكب

الغابات ليس مجرد الرئة التي يتنفس من خلالها الكوكب. فإمكانياتها هائلة إذا ما خضعت لإدارة مستدامة، لتصبح بذلك مصدراً رئيساً للرخاء والدخل والمنتجات المتجددة التي تعتبر إحدى جوانب الاقتصاد العالمي الصحي.

لكن تبقى الحاجة مطلوبة إلى المضي في تحول جذري في طريقة التفكير بحيث يتم تسخير هذه الإمكانية التي تُقَدَّر قيمة صافي منافعها عالمياً بتريليونات الدولارات الأميركية.

بالمختصر المفيد، يجب تغيير نظرة الناس إلى الخشب. بحسب تقرير أعدّه كل من تايس لينارز جوفينال Thais Linhares-Juvenal، كبيرة مسؤولي الأحراج، وماغورزاتا بوسكوبريغز Malgorzata Buszko-Briggs، رئيسة فريق التواصل في شعبة الأحراج لدى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO.

فالخشب مصدر متجدِّد وقابل للتدوير، وهو صديق للبيئة ومُتعدّد الإستخدامات إلى حدٍّ لا يُصدّق. كما أنه واحد من أقدم المواد الأولية التي عرفتها البشرية، لكن مع ذلك، وبفضل الإبتكارات على مستوى تطوير المنتجات المعتمدة من الخشب، يبقى هذا المورد قادراً على نقلنا إلى المستقبل، ليحلّ محلّ المواد الأحفورية وتلك المعتمدة من المعادن والتي تتّسم ببصمة كربون أكثر وطأة.

Photo credit: © Joel & Jasmin Førestbird/Unsplash

وقد حذّرت منظمة الأرصاد الجوية العالمية في أيار/ مايو بأن فرصة ارتفاع درجة حرارة الأرض اليوم عن المعدل هي 50:50 ما يعني ارتفاعها عن مستوياتها قبل الثورة الصناعية بـ 1.5 درجة مئوية على مدى السنوات الخمس القادمة. مسألة تستدعي بذل جهود جبارة من أجل تغيير طريقة حياتنا، حيث يبقى الخشب جزءاً من الحل.
والخشب قادر على لعب دور أساسي، ليحل بذلك محلّ البلاستيك المُستخدَم لمرّة واحدة، بدءاً من قشة الشرب وحتى علب تغليف الأغذية كجانب من التحرك العالمي نحو القضاء على التلوث بالبلاستيك.

كما يوفّر الخشب ومنتجاته بدائل حقيقية عن الفولاذ والإسمنت وألياف النسيج، وهي بدائل ألطف بالنسبة لكوكبنا.

وخلال فترة سابقة من هذا العام، دعا المؤتمر العالمي الخامس عشر للحراجة– وهو أكبر تجمع عالمي على الإطلاق بشأن الغابات – إلى الاستثمارالكامل في إمكانيات الأخشاب المنتجة بطريقة قانونية ومستدامة بهدف تحويل قطاع البناء نحو استخدام مواد جديدة ومُبتكرة وتوفير طاقة متجدّدة، ناهيك عن الانتقال إلى اقتصاد حيوي دائري والمضي باتجاه الحياد المناخي.

أضف إلى ذلك أن ثمة دعوة أطلقها ممثلون وزاريون عن أستراليا والكاميرون وغابون واليابان وبيرو وجمهورية كوريا لبذل جهود أكبر فيالترويج للأخشاب المستدامة واستخدامها المستدام ضمن الإطار الأوسع نشاطاً في العمل الجاري التي ترمي إلى حماية الغابات واستعادة الأراضي المتدهورة.

وعليه، يبقى السؤال المطروح ما الذي يجب علينا فعله لتحقيق ذلك؟

أولاً، آن الأوان لتغذية الرغبة العالمية بتجنب الكارثة البيئية من خلال إعدادرسالة واضحة وعاجلة توضح كيفية القيام بذلك. وإلى جانب تناقل منافع الأخشاب بفعالية أكبر، علينا التصدّي لإنتشار مفهوم مغلوط على نطاق واسع بأن قطع الأشجار فكرة غير صائبة بتاتاً. وللقيام بذلك، نحتاج أيضًا إلى تحسين فهم كيفية عمل الإدارة المستدامة للغابات.

للقيام بذلك،

ثانياً، علينا الانتقال سريعاً نحو الاقتصادات التي تستبدل منتجات كثيفة الكربون بمنتجات قائمة على الخشب حيثما أمكن. فعلى المستوى العالمي، سيكون نحو ثلاثة مليارات شخص بحاجة إلى السكن بحلول عام 2030، ما يعني الحاجة إلى زهاء 300 مليون مسكن جديد. وبما أن قطاع المباني والمنشآت مسؤول في الوقت الراهن عن إطلاق قرابة 40 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة على المستوى العالمي، فإن التحول إلى مواد البناء المبتكرة القائمة على الخشب بدلاً من الاسمنت والفولاذ من شأنه أن يُحدث فرقاً ملحوظاً على المستوى البيئي. أضف إلى ذلك أنه سيكون له منافع إضافية أيضاً بالنسبة للاقتصادات وسبل العيش. فعلى سبيل المثال، تشير التقديرات أن تغطية الاحتياجات المتوقعة للمساكن في أفريقيا بحلول عام 2050 عن طريق إنتاج الخشب وتصنيعه الأولي سيساهم بمبلغ يصل حتى 83 مليار دولار أمريكي في اقتصاد المنطقة، ناهيك عن أن هذه العملية تخلق 25 مليون فرصة عمل.

ثالثاً، يجب التأكد من صحة الغابات وازدهارها كشرط أساسي للاقتصاد الحيوي الدائري القائمة على الخشب المستدام. ونظراً لأن الزراعة هي القطاعالمسؤول عن قرابة 90 في المائة من عمليات إزالة الغابات، فهذا يعني أنه يجب معالجة كيفية تمويل الزراعة وإزالة الحوافز التي تؤدي إلى إزالة الغابات.

ويعني أيضاً تنسيق المشاريع المتعلقة بالمناخ واستعادة الأراضي، إلى جانب إنتاج الخشب المستدام. ولعلما يعرف باسم التمويل “الأخضر” يحمل إمكانات هائلة على مستوى المنافع التي تعود على البيئة وسكان الأراضي والمستثمرين.

والعالم بحاجة إلى مضاعفة الاستثمارات في استعادة الغابات والمناظر الطبيعية إلى ثلاثة أضعاف بحلول 2030 لتحقيق الأهداف والغايات المنشودة والمتفق عليها دولياً.

أخيراً، يتعين على الحكومات والمنتجين والمستهلكين العمل يداً بيد لوقف الاتجار غير المشروع بالأخشاب، وذلك من خلال وضع معايير تتسم بالشفافية لشرعية استخدام الأخشاب وسياسات المشتريات العامة وخيارات المستهلك المستنيرة.

كما أوضحت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في تقريرها الرئيسي بعنوان حالة الغابات في العالم لعام 2022 فأن زيادة الاستخدام المستدام للغابات وتطوير سلاسل القيمة المستدامة القائمة على الغابات يعد جانباً أساسياً في دعم التعافي الأخضر وبناء اقتصادات المرنة القادرة على الصمود.

ولكن يجب العمل الآن لإحداث هذا التغيير بما يصب في صالح الأجيال القادمة من خلال إعادة تصور وإعادة استخدام أحد أقدم الموارد الطبيعية على كوكبنا بشكل مختلف. فاستخدام الخشب المنتج بشكل مستدام، يمكن تنمية الحل.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى