سياسة

الهبة الإيرانية ستسقط بضربة “الفيتو” الأميركي للاستمرار بحصار لبنان

جوني لـ"أحوال" العقوبات على طهران أميركية أما الدولية فسقطت بعد توقيع الاتفاق النووي

لم يكُن العرض الكهربائي الذي كشف عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في اطلالته الأخيرة الأول من نوعه، فقد سبق وقدم نصرالله عروضاً عدة لاستيراد المحروقات والفيول من إيران بأسعار مخفضة وبالليرة اللبنانية، فضلاً عن عروض لبناء معامل لتوليد الطاقة الكهربائية واستعداد شركات إيرانية للحضور الى لبنان لاستخراج النفط والغاز من الحقول اللبنانية. كما أن العروض الإيرانية السخيّة ليست جديدة، فقد دأبت طهران ومنذ ولاية الرئيس السابق أحمدي نجاد حتى الآن على تقديم عروض للبنان لكن لم يتم الاستجابة لأي منها بسبب الفيتو الأميركي – الغربي – الخليجي.
لكن العرض عاد الى الواجهة بعد طلب رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل من السيد نصرالله مباشره في حوار على قناة المنار، الطلب من ايران تزويد لبنان بالفيول لتشغيل معامل الكهرباء بعد توقف معظم المعامل عن العمل وغرق لبنان بالعتمة الشاملة، فما كان من نصرالله إلا أن تلقف طلب باسيل وأعلن استعداده لذلك، ومباشرة على الهواء ومشروطاً بموافقة الحكومة اللبنانية كما قال نصرالله، ما يضع الكرة في ملعب رئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال ووزارة الطاقة.
فهل يمكن للحكومة قبول الهبة الإيرانية في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على الصادرات والتعاملات مع ايران، أم يحتاج الأمر الى استثناء أميركي من قانون العقوبات على ايران؟ وهل تسمح واشنطن للبنان استيراد الفيول الإيراني لحل أهم الأزمات وأعقدها من عقود في ظل الحصار الخارجي الأميركي – الأوروبي – الخليجي المفروض على لبنان منذ سنوات لأهداف سياسية؟.
تشير جهات مطلعة على الملف لـ”أحوال” الى أن قبول الهبات يحتاج الى قرار من مجلس الوزراء، ما يتطلب عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال لإقرار قبول الهبة، وبالتالي لا يستطيع وزير الطاقة قبولها بقرار فردي، بل يحتاج الى مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وفق المادّة 52 من قانون المحاسبة العموميّة. لكن موقف رئيس الجمهورية ميشال عون لم يحمل حماسة للدفع بقبول الهبة ولا بالطلب من رئيس الحكومة أو وزير الطاقة إعداد الإجراءات المطلوبة لتسهيل قبولها، أما وزير الطاقة وليد فياض فأعلن قبول أي هبة لحل الأزمة، لكنه لم يوضح ما اذا كان سيعد مشروع المرسوم ويوقعه ويرسله إلى وزير المال لتوقيعه ووضعه على طاولة رئيس الحكومة. أما الرئيس ميقاتي فغير متحمس لا الآن ولا في السابق لأي تعامل مع ايران بسبب علاقته ومصالحه العميقة مع الأميركيين والفرنسيين ويخشى تضررها، لذلك لن يدعو لجلسة لهذا الملف وإن وافق عون وأعد وزير الطاقة المرسوم وفق ما تقول المصادر.
يوضح المحامي والخبير القانوني د. بول مرقص لـ”أحوال” أن “الأمر التنفيذي 13846 ينصّ على فرض عقوبات على كل من يقدِم للدخول بصفقات مع شركات نفط ايرانية ولو على سبيل الحيازة أو النقل”.
أما أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية والديبلوماسية الدكتور حسن الجوني فيشير لـ”أحوال” الى أن لا عقبات قانونية دولية أمام قبول الحكومة الهبة الإيرانية، مذكراً بأن مجلس الأمن الدولي اجتمع وأصدر قراراً بإسقاط كافة العقوبات الدولية على ايران بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني في العام 2015، وبالتالي العقوبات على ايران ليست عقوبات دولية، بل عقوبات أميركية منفردة، ما يسمح للحكومة بقبول الهبة من دون أن تطالها أية عقوبات دولية، لكن في الحالة اللبنانية في ظل هيمنة الأميركيين على القرار اللبناني وعلى بعض المسؤولين المعنيين ونظراً للمصالح التي تربطهم بالأميركيين لا بد للحكومة الحصول على طلب استثناء من الأميركيين.
لكن السؤال إذا كان الأميركيون يعارضون تفعيل الخط العربي إلى لبنان واستيراد الغاز والكهرباء من مصر والأردن ورفض منح الاستثناء للبنان من قانون العقوبات على سوريا “قيصر” حتى الآن، فكيف سيسمحون للحكومة باستيراد الفيول الإيراني؟، فضلاً عن أن القرار الغربي الأميركي الأوربي – الخليجي هو استمرار الحصار المالي والاقتصادي والنفطي على لبنان لأسباب سياسية عدة، لذلك لن يُسمح للبنان باستيراد الفيول لحل أكبر أزمة في لبنان وتسببت بأغلب الأزمات الأخرى.
ويشير جوني في هذا السياق إلى أن قبول الفيول الإيراني كالغاز العربي مرتبط بملفات عدة:
-التغيير الديموغرافي المطلوب خارجياً في لبنان
-حل الدولتين وتوطين الفلسطينيين في لبنان
– قضية ترسيم الحدود البحرية
لذلك المطلوب وفق ما يقول جوني أن يبقى لبنان يتخبط بأزماته وعلى شفير الانفجار الاجتماعي لتسعير الضغط على الحكومة وعلى حزب الله والقوى الوطنية الحريصة على البلد، لدفعها للرضوخ والتنازل في مسألة الترسيم والتوطين والنازحين السوريين.
ويتساءل جوني: هل يستطيع حلفاء أميركا في لبنان الحصول على استثناء لقبول الهبة الإيرانية؟ أم أنهم يتماهون مع قرار الحصار الأميركي المفروض على لبنان؟
المرجح أن يسقط هذا العرض بضربة الفيتو الأميركي كما سقط غيره من العروض الإيرانية والروسية والصينية، لكنه قد يدفع الأميركيين إلى تسريع وتيرة تفعيل خط الغاز العربي، لقطع الطريق على استيراد الفيول الإيراني كما حصل عندما اعلن نصرالله استيراد بواخر المحروقات من ايران.

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى