مجتمع

“الإعلام ومصداقيته” في “الصالون الثقافي”: هل من حاجة لكلية تدرس الإعلام؟

ثمة صورة جميلة تستعيدها بيروت في أحد أجمل أحياءها، تلة الخياط، وثمة من يريد أن يترك البصمة المشرقة التي اشتهرت بها أم الشرائع، فلكل زمنٍ رواده ومثقفيه ومشجعي نهضته وها هو المحامي زكريا الغول وزوجته يعيدان نفس الحوار الى صدر المدينة الحزين، فهل فعلاً بيروت تستعيد نفسها الثقافي بعدما طفحت برائحة الدخان والنار والفقر والتعصب؟.

بهذا الإنطباع الإيجابي سيخرج كل من يشارك آل الغول حواراتهم ولقاءاتهم، وهي جلسات بحضن عائلي دافئ وهي في إطار الجهود البنّاءة لممارسة وترجمة “ثقافة الحوار” والاستماع الفعّال على أرض الواقع، وهذا الأسبوع كان اللقاء بعنوان: الإعلام والمصداقية، فكم نحن بحاجة لهذا النقاش.

بعد أن شغلت مواقع التواصل الاجتماعي خلال العقد الأخير حيزاً كبيراً من حياتنا جميعاً، عقد الصالون الثقافي في بيروت جلسته الرابعة بدعوة من المحامي زكريا الغول وعقيلته المحامية نادين عراجي.

تنوع الحضور عكس الحاجة لفتح هذا الملف، وكان لحضور الدكتورة وفاء أبو شقرا، الأستاذة ورئيسة مركز الأبحاث في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، طعمه الأكاديمي التأسيسي لمقاربة القضية، وجاء حضور الإعلاميين والقانونيين ليزيد من غنى الحوار وتعميقه.

 

استهل اللقاء المحامي زكريا الغول بكلمة أشار فيها إلى أن “هدف الصالون الثفافي هو الحوار المباشر البنّاء في حين أن الحوار بات غالباً في وسائل التواصل الاجتماعي بما يتسم به من سوء فهم متبادل”، موضحاً أن “اهم أسس الحوار وقواعده أن نعترف بمن نريد أن نحاوره ونقر بوجوده، فالحوار لا يعني أن أفرض رأيي على الآخرين وإنما هو وسيلة تبادل وجهات النظر بل هو يقربها”.

أبو شقرا: غياب المهنية الأكاديمية عن إعلاميينا
وبإدارة الإعلامي زياد دندن تشكلت حلقة الحوار، وبدايته كانت مع الدكتورة أبو شقرا التي قدمت مطالعة شاملة تناولت فيها “إشكالية التكوين الأكاديمي لطلاب كلية الإعلام، والعلاقة الشائكة بين كليات الإعلام من جهة، والمؤسسات الإعلامية من جهة أخرى، بحيث يبدو جلّياً، الانقسام بين النظرية والتطبيق، بين المنحى الأكاديمي والممارسة العملية”.

وبحسب أبو شقرا، فإن “معظم الذين يمارسون الإعلام في الوسائل المختلفة، أكانت مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، لا يسيرون وفق قواعد الإعلام المعروفة، بل يكتنف أداؤهم كثيراً من الأخطاء المهنية. فأسلوب الكتابة في الصحافة المقروءة غير أسلوب الكتابة الإذاعية والتلفزيونية، لكن معظم الإعلاميين بعيدون عن الثقافة الإعلامية الأكاديمية، كما أن نشرات الأخبار التلفزيونية تفترض التسلسل المنطقي لأولويات التغطية الخبرية، وهو ما لا يحدث في كثير من الأحيان. أما بالنسبة لمصداقية الإعلام في لبنان، فأكثر ما يشوبها هو أن المؤسسات الإعلامية فيها، فئوية حزبية وطائفية، وتعتمد في عملها على الانتقائية، علماً أن لا مؤسسة تعلن سياستها التحريرية. وفيما يرتبط بالتكوين الأكاديمي لطلاب كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية خاصة”.

وأوضحت أبو شقرا، أن “الكلية تزود الطلاب بجعبة غنية من العلوم والمعارف كي يتمكنوا من ممارسة المهنة باقتدار. ومع حداثة علوم الإعلام والاتصال، وتطوّرها المستمرّ، فإن المناهج في متابعة دائمة للتحديثات النظرية، علماً أن الدراسة في فرنسا، مختلفة لجهة أنها تفترض حصول طالب الإعلام على اختصاص أكاديمي آخر قبل دراسة مقرّرات علوم الاتصال والتاثير”.

عيتاني: تميّز الاعلامي اللبناني عربياً

كلام أبو شقرا استفز الإعلامي زياد عيتاني، المدير الإقليمي لجريدة عكاظ السعودية ورئيس تحرير موقع “أساس ميديا”، وعقب على كلامها “في تقييم الإعلام في لبنان، يُقلّل من شأن الإعلاميين اللبنانيين، في حين أنه مشهود لهم في العالم العربي، بالمهنية والحرفية. وما زال الإعلام اللبناني يحظى بمرتبة متقدمة في العالم العربي على الرغم من الشوائب التي يمكن أن تصيبه جرّاء الاختلافات السياسية والطائفية المزمنة. أما بالنسبة للموضوعية والمصداقية، فما هو معيارهما؟ واشتقاقات المصداقية، هي الصدق، والتصديق، والصداقة، وكثير من ميول الصحافي تعود إلى النقطة الثالثة، وهي فعل الصداقة الذي يؤثر في الكتابة، أكثر مما هو ضغط المؤسسة الإعلامية التي يعمل فيها”.

وأبرز عيتاني بعض الشواهد العملية التي تدل على أن “هناك تضخيماً لمفهوم الرقابة، وأن ما هو سائد أكثر هو الرقابة الذاتية لا الرقابة الخارجية”، ودعا إلى “دراسة تجربة الإعلام السوري المهاجر بعد الثورة السورية، إذ يلاحظ أن حرية الرأي والإعلام لها أثر ملحوظ في ترقّي الأداء”.

وبشأن التكوين الأكاديمي، سأل عيتاني “هل ثمة حاجة لكلية إعلام، في حين أنّ أبرع الصحافيين والإعلاميين اللبنانيين ليسوا خرّيجي كليات الإعلام، بل هناك نماذج حيّة عن متخرّجين من هذه الكليات لا يفقهون شيئاً في السياسة أو التاريخ أو القانون، وهي مجالات ضرورية لتكوين الصحافي الناجح”.

عليوان: قدرة الصحافي على تخطي الحواجز
الصحافي هشام عليوان، اعتبر أن “المتمرس في التحرير والكتابة، يمكنه تمرير رأيه الخاص، مهما يكن موقف المؤسسة الإعلامية التي يعمل فيها، أو سياستها التحريرية. وهذا يعتمد بالدرجة الأولى على ما يمتلك من مقدرة وخبرة، وعلى ما يتحلى به من تناول منطقي وموضوعي للحدث موضوع الخبر أو التحليل”.

كذلك كانت مشاركات من الصحافي إبراهيم ريحان، الإعلامية ملك عيتاني، الصحافي حسن الدرّ، العميد المتقاعد خالد جارودي، والسيدة إنعام خالد.

وفي الختام يبقى الاعلام رسالة أخلاقية يومية بحاجة للتحديث والتطوير بما يتناسب مع حاجات وتطورات الحياة.

ويبقى الشكر لمن يلفت الأنظار الى هذه القضايا الشائكة وكيفية مقاربتها، والى قضايا جديدة تعيد إحياء نفس بيروت الثقافي.

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى