سياسة

ملف المطران الحاج يهز بيتا بمنازل ومنازلات كثيرة!

كشفت قضية المطران موسى الحاج مرة أخرى حجم الهشاشة في مقومات الوطن اللبناني المصاب بـ”ترقق العظم” والمستمر على زغل وزعل، في ظل الانقسام الحاد حول الركائز الأساسية التي تبنى عليها الأوطان الطبيعية.

ولولا بعض الاستثناءات التي تبقي على شيء من الأمل بإمكان استكمال بناء الوطن، كإنجاز منتخب كرة السلة الذي أعاد الى حين تحفيز الشعور الوطني العابر الطوائف، لكان اليأس من الحاضر والمستقبل قد أطبق كليا على اللبنانيين الذين أصبحوا محاصرين بين حدين: جهنم والعصفورية.

ولعل أسوأ ما تمخض عن قضية المطران، هو الامعان في تمزيق الهوية الوطنية وتشظيها، على وقع تفاوت النظرة الى العملاء لاسرائيل ببن بيئة لبنانية وأخرى، وكأننا أمام مجموعة أوطان وشعوب فوق ارض واحدة.

والأخطر ان الخلاف على مفهوم العمالة ليس سياسيا فقط، بل يتخذ أيضا الطابع الطائفي الذي من شأنه تحريك الغرائز وحرف النقاش عن مساره الطبيعي، مهددا بالفتنة الداخلية بدل ان تكون المشكلة مع العدو الخارجي وعملائه. هكذا، فإن التجاذب حول ملف المطران الحاج اتخذ فورا منحى الاصطفاف المسيحي – الشيعي، بعدما جرى تصوير التحقيق معه على انه استهداف مقصود للبطريركية المارونية من قبل حزب الله وحلفائه عبر أدوات قضائية.

وحتى القوى المسيحية التي قد لا تكون مقتنعة بصوابية خطاب بكركي وجدت نفسها مضطرة الى مراعاة الموجة، كما فعل التيار الوطني الحر الذي لفت عبر تغريدة موضعية لرئيسه النائب جبران باسيل الى انه “صحيح أن القانون اللبناني يُحرّم نقل الأموال من الأراضي المحتلة ويعتبره جرما، ولكن هل في ذهن أحد ان يعتبر مطراناً عميلاً لأنه يحاول مساعدة عائلات تمّ افقارها على يدّ منظومة سلبت اموال كل اللبنانيين؟”.

اكثر من ذلك، هناك بين مؤيدي التيار من كان يفضل ان لا يدخل حزب الله، عبر النائب محمد رعد على خط ملف المطران الحاج، وان يترك لرئيس الجمهورية والتيار مهمة التعاطي معه واحتوائه بالطريقة المناسبة، “لان الحدة التي عكسها موقف رعد ضد المطران وبكركي من دون أن يسميهما، يحرج ميشال عون وجبران باسيل ويمنح خصومهما على الساحة المسيحية مجالا للمزايدة عليهما وشد العصب الطائفي”، كما يؤكد بعض القريبين من التيار، في حين ان العارفين بنمط سلوك الحزب يلفتون الى انه مستعد لإبداء اكبر مقدار ممكن من البراغماتية والمرونة في المسائل الداخلية لكنه لا يقبل المسايرة او المهادنة في كل ما يتعلق بملف العدو وعملائه.

والمفارقة، ان القانون اللبناني الذي يمنع نقل الأموال والبضائع من الاراضي المحتلة لم يعد هو المعيار الذي يتم الاحتكام اليه في مقاربة ملف المطران الحاج، بل ان الحضانة والحصانة الطائفيتين عطلتا القانون والقضاء، وحولتا القاضي فادي عقيقي من محقق الى متهم، علما ان الثابت والمثبت هو ان الحاج كان يتولى نقل المال من عملاء موصوفين لا لبس في عمالتهم، ما يشكل مخالفة صريحة للقانون الذي يُفترض انه لا يميز بين رجال الدين والمواطنين العاديين.

ولكن بكركي وضعت تصرف المطران في خانة المهمة الإنسانية لنقل مساعدات من لبنانيين في الاراضي المحتلة الى ذويهم في لبنان، من دون الاخذ في الحسبان تصنيفهم القانوني كعملاء.

مرة أخرى يثبت بالدليل ان لبنان هو بيت بمنازل ومنازلات كثيرة!

عماد مرمل

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى