مجتمع

الرصاص العشوائي إبتهاجاً: عادة سيئة في زمن صعب

إثر صدور نتائج إمتحانات الشّهادة المتوسطة ـ البريفيه منتصف ليل يوم الخميس ـ الجمعة الماضي، وبعدما شهدت طرابلس وجوارها في مناطق شمالية عدّة إطلاق النّار بشكل عشوائي في الهواء من قبل بعض أهالي التلاميذ، إبتهاجاً بنجاح أبنائهم، ما تسبّب بإلحاق أضرار مادية ومعنوية واسعة بالمواطنين في مختلف المناطق، نصح أحدهم المواطنين في تعليق له كتبه على صفحته الخاصّة على منصّات وسائل التواصل الإجتماعي، أن “لا يقوموا بتصليح أيّ شيء، لأنّه بعد أيّام ستصدر نتائج إمتحانات شهادة الثانوية العامّة بفروعها الأربعة، بالتزامن مع بدء عودة الحجاج من الديار المقدسة، حيث سنشهد موجة إطلاق رصاص جديدة إبتهاجاً ستعيد الأضرار إلى ما كانت عليه، وربّما أكثر”.

الأضرار المادية التي لحقت بالمواطنين جرّاء إطلاق النّار العشوائي أصابت مواطنين، من بينهم أطفال، حيث لم تفلت منطقة في طرابلس وجوارها من وقوع جريح على خلفية إصابته برصاصة طائشة، حيث أفيد أنّ مستشفيات طرابلسية وشمالية إستقبلت عدداً ليس قليلاً من المواطنين الذين أصيبوا برصاص طائش، من بينهم أشخاص إصاباتهم حرجة.

إلى جانب سقوط جرحى جرّاء الرصاص العشوائي، فإنّ أضراراً واسعة لحقت بمواطنين تضرّرت سيّاراتهم، وزجاج نوافذ بيوتهم، وألواح الطّاقة الشّمسية التي وضعوها على أسطح منازلهم، ما أثار استياء كثير من المتضرّرين الذين اقترح أحدهم بأن “يرفع المتضرّرون من الرصاص الطائش دعاوى قضائية ضد أشخاص موقوفين بسبب ذلك، أو يتم توقيفهم، وأن يجري تحميلهم كامل نفقات إصلاح الأضرار “حتى يتربّوا” هم وغيرهم”.

لكنّ الأضرار المعنوية للرصاص الطائش لم تكن أقل حجماً من الأضرار المادية، فقد أثارت الرعب في نفوس الأهالي، وتحديداً الأطفال، خصوصاً بعدما أصرّ بعض الأهالي على إطلاق الرصاص كما المفرقعات النّارية إحتفالاً بالنتائج التي صدرت في توقيت غريب هو السّاعة الواحدة بعد منتصف ليل الخميس ـ الجمعة الماضي، إلى جانب أن هذه العادة كشفت عن أزمة أخلاق عميقة، ونقص في الثقافة العامّة والوعي واحترام مشاعر الآخرين، وهي صفات باتت تشهد تراجعاً لافتاً خلال السّنوات الأخيرة.

تعليقات المواطنين على هذه الظاهرة السّيئة تكفي وحدها للدلالة على حجم الإنزعاج الواسع منها. وسيم معروف علّق قائلاً: “العقل زينة”. أمل البلّي سألت: “هل يجب أن يتأذى النّاس من صوت الرصاص حتى يفرح البعض، ثم بعدها يقولون ليس معنا ما نأكله؟”. مريم حموي سألت بدورها: “لما يربطون فكرة إطلاق الرصاص بالفرح؟”.

لكنّ تعليقات أخرى كانت أكثر نقداً لاذعاً وسخرية من سابقاتها عبّرت عن حجم الإستياء الواسع من ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي في هكذا مناسبات. عمر العلي قال: “من نجح وأطلقوا الرصاص له إبتهاجاً لم يؤمن مستقبله. غداً سيفتح بسطة كعك في ساحة التل (وسط طرابلس)”. أمّا هناء رحمون فقالت: “دعهم يفرحوا من أجل ورقة شهادة لا تقدّم ولا تؤخّر، ولن يتمكنوا من الحصول فيها على وظيفة”، بينما سألت روز بشارة: “هل الآن صار معهم مصاري ليشتروا الرصاص، وبالأمس كانوا يقولون إنهم لا يملكون شيئاً كي يشتروا الخبز والطعام لأبنائهم؟”.

لكنّ ثمن طلقات الرصاص والمفرقعات النّارية إستفزت كثيرين، ذلك أنّ سعر كلّ طلقة لا يقل عن 30 ألف ليرة، وهي تكفي على أقل تقدير لشراء ربطتي خبز مدعوم، وأسعار المفرقعات النّارية ليست أقل سعراً، وثمنها يكفي بدوره مع ثمن الرصاص الطائش لتسجيل آلاف الطلّاب في المدارس الرسمية لا يجدون مالاً كافياً ليتسجلوا، فيستجدوه كلّ سنة من هنا وهناك، وشراء لوازم قرطاسية أو دفع قسط مدرسي في إحدى المدارس الخاصة، لكنّ النتيجة كانت أنّ آلاف الدولارات وملايين الليرات اللبنانية قد أهدرت عبثاً.

عبد الكافي الصمد

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى