منوعات

“أحوال” في معابر التهريب: مهنةٌ قديمةٌ قِدَمَ الكيان.. لماذا تُستحضر اليوم؟

كيف يكون رفع الدعم بمثابة قرار إعدام؟

عُمرُ التهريب بين لبنان وسوريا من عمر تأسيس دولة الأرز، بل ربما أكثر. والتهريب هنا يعني نقل بضائع من دولة إلى أخرى من دون دفع الرسوم الجمركية. أمّا طبيعة هذه البضائع فيُحددها الموسم والحدث تبعاً لكلّ أزمة. وكما في السوق، كذلك في معابر التهريب، فإنّ العرض والطلب يُحددان السعر والسلعة. على سبيل المثال، في زمن الحصار الاقتصادي يكون تهريب المواد الغذائية السلعة الأكثر ربحاً. وفي زمن الأزمات الأمنية، يكون السلاح سلعة المهربين المفضلة لكونه الأكثر درّاً للربح.

لن تجد دولتين متجاورتين إلّا سيكون التهريب من واحدة إلى الأخرى “المهنة” الأكثر شهرة التي يمتهنها سكان البلدات الحدودية.

أما بين لبنان وسوريا، البلدان المرتبطان بمقولة وحدة المسار والمصير، فإنّ الأزمة الاقتصادية حمّالة تفرّق حيناً وتجمع أحياناً كثيرة. تارةً تكون مفيدة لسوريا ومتنفّساً لأهلها وتارة تنسحب الفائدة على لبنان. غير أنّ هذه الفائدة غالباً ما تُستثمر في السياسة في غير مكانها. إذ إنّ التهريب إلى سوريا رفع الدعم عن ثلاثي الموادّ الأساسية المدعومة في لبنان  “الوقود والدواء والطحين”.

الإخبارات القضائية عن التهريب لا تزال في النيابة العامة اللّبنانية، فيما لم تستطع الأجهزة الأمنية اللّبنانية مكافحة تهريب المواد الأساسية إلى الأراضي السورية رغم إغلاق ثلاثة عشر معبرًا من المعابر غير الشرعية بين البلدين. لا سيّما أنّ أزمة التهريب قديمة قِدَم الكيان في بلاد الأرز. ناهيك أن البلدية بالنسبة لبعضهما كالرئة للبدن.

“أحوال” دخل باب الحدود المشرّعة ليجدَ أنّ قطعَ الطرق على شبكات التهريب يكاد يكون مستحيلاً. عشرات الطرق المتداخلة بين الشمال والبقاع اللّبنانيينِ  موصولة بالطرق السورية. ومكافحة التهريب هنا غير ممكنة، إلّا بقرار من الدولة السورية، يقول مصدر أمنيّ رفيع لـ”أحوال” ويضيف، “المكافحة وليس القضاء عليها حتى لأن ذلك مستحيلاً”.

وحدة مسار ومصير هو المبدأ الذي تعتمده شبكات التهريب اللّبنانية-السورية المشتركة. من الجانب اللّبناني يبدأ مشوار التهريب حيث تتولى مجموعات لبنانية مختصة بالتهريب جمعَ الموادّ الأساسية بشكل يوميّ لتصريفها إلى الأراضي السورية. السائقون على الخط الممتد من الشمال إلى طرطوس ثمَّ حِمص وعلى الخط من البقاع إلى دمشق وحمص أيضًا، هم المحرك الأساسي للعملية. فالشبكات تعتمد على السائقين الذين ينقلون الموادّ بأجر يفوق أرقام رواتبهم. يروي لنا أبو محمد الذي يبرّر التهريب بأنّه المنفس الوحيد لبعض اللّبنانيين وكثير من السوريين.

“مهمتنا تقتصر على تسلّم البنزين وتخبئته لإيصاله للأراضي السورية، نسلّمه بدورنا إلى أشخاص قد يكونون ضباطًا أو نافذين في الدولة السورية لا نعرف، رحلتنا محفوفة بمخاطر الدوريات اللّبنانية من الجمارك والجيش وعندما نجتاز المعبر نصل إلى برّ الأمان، أمانٌ يتولى مسؤوليتَه المعنيون بإيصال “الأمانة” إلى أصحابها “. ولدى سؤال أبي محمد عن طريقة تأمين المواد في الداخل الل”بناني يجيب بـ “هني الكبار”، ويقصدُ تجّار الجملة في عالم المحروقات ، ويردف قائلاً: “لا فكرة لدينا عن الأسعار سوى أنّنا نتقاضى عن كل صفيحة بنزين ثمن صفيحتين”.

يُفتحُ المعبرُ الكهربائيُ عند بلدة حوش السيد علي في الهرمل وتدخلُ الشاحناتُ بمواكبَ مسلحةٍ من عشائرَ لبنانية تتولّى تأمين وصولِ الموادّ المهرّبةِ إلى المرسل إليهم من المهربين السوريين. هناك الأمور أكثرَ سهولة، لكن ثمنَ صفيحةِ البنزين على سبيلِ المثال أكثر كلفة هنا في سوريا. إذ يتراوح سعرُها بين مئة وثمانينَ إلى مئتي ألفِ ليرة لبنانية أي ما يعادل ٢٥ دولار أميركي ويبقى سعرها شبه مناسب للمواطن السوري الذي بات شبه كسيح أمام التنقلات الطويلة في المحافظات السورية الكبيرة.

أمّا الإتهامات التي تُساق ضد حزب الله بشأن تورطه بالإشراف على التهريب، فيرُدّ عليها المهرّبون أنفسهم بأنّهم موجودون قبل وجود الدولة أصلاً. كذلك تعلّق مصادر مقرّبة من الحزب بالسخرية من اتهامه بالإشراف على عمليات التهريب على اعتبار أنّ “سكك التهريب لم تُستحدث بعد الحرب السورية، إنّما رُسمت منذ أن حصل لبنان على استقلاله قبل نحو مئة عام”.

بالتزامن مع ما يجري على الأرض، يتذرّع مصرف لبنان بهدر المواد المدعومة المهرّبة إلى سوريا ليطرح خيار رفع الدعم كحلّ وحيد لإنهاء التهريب من لبنان إلى سوريا، وهو الأمر الذي بدأت أصوات تطالب به وتبشر بقرب حدوثه. وهكذا سيقع اللّبنانييون بين الأمرّين، مرُّ استغلال عمليات التهريب التي لم تتوقف يوماً، لتُصوّر اليوم على أنّها تساهم في هدر موادّهم المدعومة. ومُر رفع الدعم عنها لترتفع أسعارها التي بات أكثرية اللّبنانيين عاجزة عن تأمينها في ظل ارتفاع جيش العاطلين عن العمل بشكل غير مسبوق.

وسط ما تقدم، يتربص واقعٌ مريرٌ باللبنانيين وهو إذا ما حصل، سيحولّهم من مواطنين مدعومين إلى رعايا معدومين.

 

محسن شعبان

محسن شعبان

كاتب وصحافي لبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى