سياسة

ميقاتي الأوفر حظاً وجنبلاط ينتظر البخاري وعون يربط التكليف بالتأليف

هل تنجح السعودية بتوحيد "14 آذار" و"قوى التغيير" على مرشح واحد؟

باستثناء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لم تُعلن شخصية سنية أخرى الترشح لا من داخل أسوار المجلس النيابي ولا من خارجه، ما يعكس “التسليم السني” بميقاتي لخوض غمار هذا الاستحقاق. لكن يتم التداول غير الرسمي ببعض الأسماء من خارج البرلمان أبرزهم وزيرة المال السابقة ريا الحسن المقربة من الرئيس فؤاد السنيورة، وتلقى دعم السفارتين الأميركية والسعودية في لبنان، وفي الموازة يطرح “التيار الوطني الحر” اسم الوزيرة السابقة ليلى الصلح.

تؤشر خريطة التوازانات النيابية، الى أن ميقاتي مدعوم من كتل “التنمية والتحرير” و”إنماء الشمال” و”الوسط المستقل” و”التكتل الوطني” و”نواب الأرمن” وعدد من النواب المستقلين، إلا أن أصوات هذه الكتل غير كافية لإيصال ميقاتي إلى “منصة التكليف” للعبور إلى “سدة التأليف” من دون أصوات “اللقاء الديمقراطي” و”الوفاء للمقاومة”، إذ يمكن لثنائي “أمل” و”حزب الله” “تحريك” أكثرية الـ 66 صوتاً التي أوصلت الرئيس نبيه بري إلى رئاسة المجلس النيابي، ما يعني تحوّل “الوفاء للمقاومة” إلى “بيضة القبان” في هذا الاستحقاق كما كان “اللقاء الديمقراطي” “بيضة القبان” في استحقاق انتخاب رئيس المجلس، وكانت “التنمية والتحرير” “بيضة قبان” فوز الياس بوصعب بنيابة رئيس المجلس.
ويحظى ميقاتي بـ 53 صوتاً من دون “اللقاء الديمقراطي” الذي لم يحسم موقفه، و”لبنان القوي”، وفي حال نجحت السعودية بتوحيد كتل “القوات” و”الكتائب” و”اللقاء الديمقراطي” و”المجتمع المدني” على اسم الحسن أو غيرها، فتتعادل مع ميقاتي بـ 53 صوتاً إن امتنع “لبنان القوي” وبعض المستقلين عن التصويت لميقاتي.

وتكشف المعلومات عن سعي السفير السعودي في لبنان لإعادة الاعتبار لنفسه، بعدما فضحت جلسات الانتخاب النيابية عدم صحة كلامه عن فوز حلفاء المملكة بالاكثرية النيابية، وبالتالي يشكل الاستحقاق الحكومي فرصة لإثبات وجهة الأكثرية، بموازاة توجه أميركي لإيصال رئيس حكومة يسير وفق التوجهات الاميركية لا سيما ترسيم الحدود مع تقليص حجم حزب الله في الحكومة.

وفي حال اتجاه الأمور الى المواجهة بدعم السعودية لمرشح ما، تتغير الحسابات عند حزب الله وينتقل تلقائياً إلى الخطة “ب” أي تجميع الأصوات لمصلحة ميقاتي لقطع الطريق على مرشح السعودية من خلال حشد فريق 8 آذار و”التيار الوطني الحر” لتأمين الأكثرية لميقاتي طالما أن “التيار” عاجز عن تأمين الأكثرية لأي من مرشحيه.

ووفق المعلومات فإن جنبلاط لم يحسم قراره وهو ينتظر مساعي السعودية لجمع “القوات” و”الكتائب” وقوى التغيير على مرشح لكي يتأكد من أن أصوات كتلته هي المكملة لتأمين أكثرية لتكليفه، أما في حال فشل المساعي السعودية فسيعود أدراجه لصب أصواته في “السلة الميقاتية”.

وعلى الرغم من غياب المنافسين الجديين لميقاتي على التكليف وقيادة التأليف حتى الساعة، لكن طريق عودته إلى السراي الحكومي كرئيس أصيل غير معبدة بالورود، بل مزروعة بالأشواك السياسية، في ظل الخلاف مع رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل على جملة ملفات، ما سيضع ميقاتي أمام عقدة الميثاقية المسيحية في ظل توجه “لبنان القوي” و”القوات” و”الكتائب” لعدم تسميته، إلا إذا كان للتفاهم الإنتخابي الذي مكّن “القوات” من اختراق “أسوار طرابس” بمرشها النائب إيلي خوري، مفاعيل حكومية و”دين قواتي” عليها إيفاءه لميقاتي بتسميته في الاستشارات! لكن ميقاتي “مخوطر” إن لم يصوت “التيار” له ووحدت السعودي تحالفها حول مرشح ما.

إضافة إلى إشكالية الميثاقية المسيحية، يواجه ميقاتي إشكالية “الشرعية السنية” بظل غياب المرجعية السياسية السنية التي تُزكي عادة رئيس الحكومة.. فالرئيس سعد الحريري خارج اللعبة، ونادي رؤساء الحكومات خارج الخدمة، والسنيورة فقد شرعيته السنية بعد سقوط كل مرشحيه في الانتخابات، أما الرئيس تمام سلام فخارج السمع وفي سفر طويل.. وحدها دار الطائفة السنية على “الخط السياسي الساخن” تستقبل نواب الطائفة وتجتمع مع السفير السعودي وليد البخاري فور عودته الى بيروت، قيل إنه اجتماع تشاوري للبحث في الاستحقاق الحكومي ووضع الطائفة السنية عموماً. بيد أن أوساط مطلعة على الوضع السني تشير إلى أن ميقاتي قد ينال حوالي عشرة نواب سنة يقدمون له الميثاقية السنية على سرجٍ من ذهب مقابل “طبق وزاري” ثمين قد يعِدهم به ميقاتي عندما يحين أوان التأليف.
المعلومات حتى الساعة تؤكد غياب التفاهم على اسم لتكليف تشكيل الحكومة ولا على مقاربة موحدة للمرحلة المقبلة. والقرار الحاسم سيخرج من حصيلة التوجه السعودي والمشاورات البينية على خط – بعبدا – “البلاتينوم”، بعبدا – البياضة -حارة حريك – عين التينة.

فهل يترك رئيس الجمهورية اللعبة الديمقراطية لتأخذ مداها في اختيار رئيس لتأليف الحكومة إن لم يتوصل المعنيون لتفاهم؟ أم يتمسك بأوراقه الدستورية؟ وهل يملك رئيس الجمهورية الحق الدستوري بإعادة الإستشارات في حال نال ميقاتي أو غيره ما دون أكثرية المجلس النيابي، أي أقل من 64 صوتاً؟ أم أنه ملزم بإعلان تكليف من ينال عدد الأصوات الأكبر ولو لم تبلغ الأكثرية المرجحة والوازنة؟

يعتبر البعض إن نتائج الاستشارات ملزمة لرئيس الجمهورية مهما كانت ويكفي حصوله على الاكثرية النسبية لا المطلقة، فيما يقول آخرون إن الرئيس يملك استنسابية في تقدير الموقف وتقييم النتيجة واعادة الاستشارات إن لم ينل أي اسم الأكثرية المرجحة لكي يضمن تجاوز قطوع الثقة النيابية.
تستشعر بعبدا “نوايا خبيثة” من خصومها بالسعي لحرق ما تبقى من ولاية عون بـ”شعلة التأليف” لقطع الطريق امام أي انجاز قد يقطفه عون في الربع الساعة الاخير من عهده، لذلك يتصدى عون لهذه المحاولة ويضع معادلة “التأليف قبل التكليف” لتسهيل ولادة الحكومة التي تشكل “ورقة الياناصيب الرابحة” لـ”الجنرال” انطلاقاً من اعتبارين: كونها آخر حكومات العهد، وترث صلاحيات رئيس الجمهورية إن وقع الشغور. لذلك يسعى عون – باسيل لانتزاع وعود من ميقاتي في بعض الملفات ذات الأولويات الرئاسية قبل التكليف، أو المراوغة لـ”تهشيل” ميقاتي وتكليف رئيس جديد يوالي بعبدا.

في المقابل يتهم خصوم رئيس الجمهورية فريق بعبدا بالسعي لتصريف وقت التأليف عبر تكبير حجر الخلاف مع ميقاتي ووضع الشروط على طريق عودته إلى سدة الرئاسة الثالثة حتى الاقتراب من استحقاق انتخاب رئاسة الجمهورية، فيصار الى ربط الافراج عن مراسيم الحكومة الجديدة بانتخاب رئيس للجمهورية ضمن سلة واحدة، وبالتالي تكريس معادلة الفراغ في رئاسة الجمهورية مقابل الفراغ في رئاسة الحكومة.. معادلة تمنح ثنائي عون – باسيل ورقة تفاوضية قوية للمناورة وفرض رأيهما في شخصية وهوية ومواصفات رئيس الحكومة الجديد والحكومة الجديدة وايضاً في رئيس الجمهورية المقبل طالما أن التوازنات والحسابات الجديدة لم تعد تسمح بفرض رئيس محسوب على “العونية السياسية.

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى