مجتمع

البقاع الشمالي: السلطة تنق كما الشعب و”الكبكة” بديل البراد

انتهت الإنتخابات النيابية وهمدت الحفلات الشعبوية والشعارات الهمايونية، وخلصت حفلات الردح بين من ركزت على نزع سلاح حزب الله أو المقاومة وأخرى في الدفاع عنه الى حد الإستفتاء حوله.

لكن يا إخوان مهلاً، الغائب الأكبر عن كل هذه الحفلات الخنفشارية كانت البرامج والأفكار الإنمائية وإصلاح ونزع فتيل الفقر والمجاعة والعتمة والجهل والمرض.

حسنا فعلتم جميعاً، أوصلتم من تريدون ومن أردتم ومن إنتخبتم كأكثرية إلى مجلس النواب، وإن كان هذا النظام النسبي قد ظلم الآخر الذي لم ينتخب هذه الفرقة المكونة من 128 عنصراً، مع قائد أوركسترا.

راحت السَكرة وإجت الفَكرة، الأحد في 15 أيار قصدنا البقاع فرحين حاملين الأعلام الحزبية، وصلنا، إنتخبنا.. رجعنا.

بينما يوم الأحد الذي تلاه في 22 أيار قصدنا بلدتنا البقاعية، لم نكن مهيبرين hyper ) )، ولم نكن نحمل أعلاماً، ولا نستمع إلى الأناشيد الحماسية، ولا نراقب السيارات المارة وأعلامها.
كنا قد هدأنا، وصلنا إلى قريتنا في البقاع الشمالي، القرية الكبيرة الجميلة، دخلنا المنزل مساءً، حاملين معنا “لمبات” تشريج، وبهدوء الظلام الدامس سهرنا، وكانت ليلتنا قصيرة لأنه لا تلفزيون ولا إنترنت ولا تواصل. العتمة في الحيّ تلف المكان، الجيران كلهم ينامون باكراً.

عتمة سوداء.. فالكهرباء لم تزر المنطقة منذ 11 يوماً! والإشتراك مُكلف على إبن المنطقة، خاصة أن المسافات بين المنازل و”موتير” الاشتراك شاسعة، والأسلاك الكهربائية مُعرّضة باستمرار للسرقة. فقد سُرقت “كابلات” الشركة، فكيف بـ”كابلات” الاشتراك.

أما مشروع ألواح الطاقة الشمسية، فهي أيضاً معرّضة للإختفاء عن الأسطح، وبمهارة عالية.

اضافة إلى وباء الإهمال والتقصير الرسمي، هناك تقصير واهمال من النواب، وهناك إهمال، وتطنيش من الأحزاب والتيارات للمنطقة وأبنائها، اضافة إلى الفوضى وانعدام الأمن لدرجة الخوف من الخروج مساءً إلى منزل جارك القريب فما بالك بمطعم أو قرية أخرى؟.

البقاع الشمالي يعيش أكبر أزمة إقتصادية اجتماعية بنيوية، رغم أن أبنائها ممن كانوا من أوائل المناضلين ضد إسرائيل، وتبعهم المجاهدون، ومشهورون بالنخوة والكرم..

فما الذي أدى بهم إلى هذه الحال؟

الفقر وانعدام الأمن أكبر مصيبتين يعاني منهما البقاع، وأهله ليسوا بحاجة للحماسة الوطنية ضد إسرائيل بقدر حاجتهم للعيش والطمأنينة، فمن المستحيل أن تستقر عائلة في منطقة محرومة من كهرباء “الدولة” منذ أكثر من 11 يوماً متواصلة.. أين الفعاليات؟ وهل اليأس من المسؤولين والمعنيين أدى لأن يشتري كل منزل “موتير” خاص لإضاءة المنزل فقط، مع كلفة البنزين والمازوت المُترتبة على ذلك في ظلّ الفقر الحاد والعوز والحاجة.

التقينا بعائلة تعيش على ضوء الشمعة منذ بداية الأزمة، فتغسل غسيلها يدوياً، وخروج البراد عن مهمته في تبريد الطعام وحفظه حتى صار “نملية” حديدية.

ربما كان على المرشحين تقديم “كبكة” لكل مواطن، في عودة إيجابية نحو التراث، و”الكبكة” هي سلة تُعلق في سقف الشرفة لحفظ الطعام من التلف والحشرات جراء الحرارة في الصيف. وهي لا تحتاج إلى كهرباء، فقط بل تحتاج لناموسية صغيرة وحبل قصير وسلّة قش مسطحة من محال الأدوات التراثية.

أما جارتهم القريبة منهم فقد اشتركت في “موتير” قريب، وتكلفت بدل شريط معلّق في الهواء معرّض للسرقة كل يوم من قِبل حرامية المنطقة، كانوا قد اقتطعوا أسلاك “الكابلات” التابعة لشركة كهرباء لبنان.

والمفارقة الحزينة أن جيرانهم اختاروا الإشتراك الذي لا يُغطي سوى 5 ساعات يومياً من 7 إلى 12 ليلا فقط بسعر 20 ألف للكيلو وات الواحد.

كيفما تسير في البقاع تشكر الله لوجود عوائل ومؤسسات لا زالت تعيش في هذه المنطقة في ظلّ ظروف شبه مستحيلة، مُثقلة بالاهمال والسرقات والتعديات والحرمان والرصاص والثأر والقتل رغم أن ثمة جيل مثقف ورافض لكل هذه الأجواء.

كل هذا التناقض في البقاع الشمالي يتحمله كعبء على كتفيه إبن البقاع المتنوع الاتجاهات، خاصة أن نوابه وسياسييه لا يتعاطون معه إلاّ من منظار الحماسة السياسية والحاجة للعدد في فترات محددة كل أربع سنوات.

والمضحك المبكي أن المسؤولين يخرجون عبر الشاشات يشكون كمغلوب على أمرهم دون حياء.

كل من مرّ على البقاع الشمالي لم يكن بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، سواء من نواب التشريع أم من وزراء الطلاّت الإعلامية السياسية، أم من المسؤولين والقادة والبلديات والقطاعات ورؤساء المجالس وحتى من فعاليات ثقافية أو فنية أو إعلامية.

الجميع يُلقي بالمسؤولية على البقية الباقية، والمضحك المبكي أن السلطة تنق مع الشعب.

ويبقى التقصير هو من يقول الكلمة الفصل في البقاع.

سلوى فاضل

سلوى فاضل

صحافية لبنانية، تحمل شهادة الدراسات العليا في الفلسفة من الجامعة اللبنانية، تهتم بقضايا حقوق النساء والفتيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى