غرفة عمليات سياسية – مالية تتحكم بـ”الدولار” وتوقعات ببلوغه الأربعين ألفاً!
التلاعب بسعر الصرف يجر البلد الى الفراغ والانهيار وانفجار الشارع
لم يكن محضُ صدفة أن يبدأ سعر صرف الدولار بالارتفاع التدريجي، فور انتهاء الانتخابات النيابية، وانطلاق باكورة الاستحقاقات الدستورية وعلى رأسها انتخاب رئيس للمجلس النيابي في ظل توازن “سلبي” متعدد الكتل والتحالفات والاتجاهات في البرلمان الجديد أفرزته الانتخابات، ما يفتح باب الخلافات وتناقض المصالح واسعاً وبالتالي الفراغ النيابي في “أم السلطات” السلطة التشريعية، الأمر الذي يؤسس للفراغ في السلطات الأخرى لاسيما في الحكومة ورئاسة الجمهورية.
وقد بدا أن “عداد الدولار” يسابق الفراغ النيابي ويفتح الطريق أمام الانهيار المالي والاقتصادي الشامل وصولاً الى الانفجار الشعبي في الشارع.
فبعد انضباط “الدولار” خلال الثلاث أشهر التي سبقت الانتخابات بقرار من مصرف لبنان عبر التعميم “161” بناء على طلب سياسي لتمرير مرحلة الانتخابات، تفلتت “العملة الخضراء” من كل القيود والتعاميم و”سحب” الدولار من دون رادع ليقفز حاجز الثلاثين ألف ليرة ثم عتبة الـ33 ألفاً.. فما هي الأسباب الخفية التي تقف خلف هذا الارتفاع المتمادي؟ هل هي أسباب اقتصادية أم سياسية؟ وهل بات الدولار بلا سقف ومن يتحكم به؟
تتبع الارتفاع التدريجي الدراماتيكي لسعر صرف الدولار في السوق السوداء وفي ظل غياب ما يفسر هذا الارتفاع المفاجئ من قواعد علمية ومالية واقتصادية، يكشف بوضوح تحكم غرفة عمليات مالية – مصرفية بأسعاره اليومية وحتى خلال الساعات، عبر تطبيقات الكترونية يجري التحكم بها عن بعد وفق ما يقول خبراء اقتصاديون لـ”أحوال” ويجري ذلك بتواطئ مصرف لبنان الذي لا يحرك ساكناً بممارسة دوره إزاء التلاعب بالعملة الوطنية.
ويضيف الخبراء أن مصرف لبنان عبر التعميم 161 لم يعد يستطيع ضبط سعر الصرف عند حدود معينة، لا سيما وأن “المركزي” بدد نسبة كبيرة من الاحتياط المتبقي لديه من خلال ضخ السيولة من الدولار وفق التعميم 161، ما أدى الى انخفاض موجودات مصرف لبنان وبالتالي تراجع قدرته في لجم الدولار.
ويلفت الخبراء الى عوامل إضافية تتعلق بالمناخ السلبي المالي والاقتصادي والنقدي العام في لبنان، تجسد بـ”النهاية الحزينة” لحكومة “معا للانقاذ” من خلال الخلاف على ملف الكهرباء بين رئيس الحكومة ووزير الطاقة واعتراض عدد من الوزراء على خطة التعافي المالي التي أقرها مجلس الوزراء والتي تم “تهريبها” في الحكومة قبل تحولها الى تصريف أعمال على أن يجري رمي كرة النار الى مجلس النواب. فضلا عن الثغرات الفادحة التي تضمنتها خطة التعافي التي تلقى معارضة شرسة من مختلف القطاعات والنقابات والمودعين وأغلبية الكتل النيابية ومن جمعية المصارف وحتى من صندوق النقد الدولي نفسه.
ما يعني بحسب الخبراء أن الخطة لن تمر في مجلس النواب وبالتالي لن يوقع الاتفاق التنفيذية بين الحكومة وصندوق النقد لحصول لبنان على المليارات الثلاث على أربع سنوات وفق الاتفاق المبدئي الذي وقعته الحكومة اللبنانية وإدارة الصندوق منذ أشهر.
هذا في الاقتصاد، أما في السياسة، فتشير مصادر سياسية لـ”أحوال” أن الدولار كما استخدم في مراحل سابقة عشية كل استحقاق دستوري كأداة سياسية لفرض الخيارات والضغط السياسي، يُستخدم اليوم في معركة انتخابات رئاسة المجلس النيابي التي من المتوقع أن تشتد حماوتها خلال الأسبوع الجاري.
وتتهم المصادر جهات سياسية ومالية ومصرفية بزج سلاح الدولار في السجال والصراع وشد الحبال القائم بين القوى السياسية، وذلك لمفاوضة الرئيس نبيه بري و”الثنائي الشيعي” أمل وحزب الله الذي يدعمه تحت النار، للي ذراعه منذ بداية الطريق.. فتحاول بعض القوى السياسية الجديدة والسابقة في المجلس النيابي، استدراج الرئيس بري الى “ملعبها التفاوضي” على رئاسة المجلس على سلة ملفات تبدأ بآليات عمل المجلس والأولويات والملفات وغيرها، أما الهدف الرئيسي فهو استهداف بري كركن من أركان “الثنائي” والمقاومة وحلفائها، ومحاولة اضعاف موقعه النيابي والسياسي والوطني عبر وصول بري الى الرئاسة بشق الأنفس وبعدد أصوات ضعيف، لتصوير ذلك كهزيمة للثنائي وفريق المقاومة وانتصار للفريق الآخر.
ويراهن الفريق على تحجيم موقع بري في المعادلة السياسية الداخلية في استحقاق رئاسة المجلس والتنازل في هذا الاستحقاق تحت ضغط “نار الدولار” وشدة الأوضاع الاقتصادية وسرعة الانهيار، لتكر بعدها سبحة التنازلات في استحقاقات تكليف وتأليف الحكومة ورئاسة الجمهورية وما بينهما من استحقاقات مالية واقتصادية ونقدية ونفطية وسيادية، ما يحول الدولار الى الناخب الأكبر في انتخابات رئاسة المجلس وما يليه من استحقاقات مقبلة.
لذلك ووفق المصادر يحاول الفريق الأميركي – الخليجي في لبنان المتمثل بحزب “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وأغلب “المجتمع المدني” حشر فريق المقاومة في الزاوية، ووضعه بين خيارين أو التنازل في ملفات واستحقاقات عدة لا سيما في المطبخ التشريعي للسيطرة على قرار السلطة التشريعية التي ستنبثق عنها السلطات الأخرى، وإما تحمل ضغط ارتفاع الدولار الى معدلات قياسية قد تصل الى 4 ألف ليرة وما فوق ومن غير المستبعد أن تلامس الخمسين ألفاً، لأخذ البلد الى الانهيار الاقتصادي والفوضى الاجتماعية والأمنية في الشارع.
محمد حمية