مزارعو التبغ يطالبون برفع سعره: أنقذونا قبل فوات الأوان
شتلة التبغ أو شتلة الصمود كما يسميها أهالي الجنوب اللبناني، والتي باتت جزءً من التراث الجنوبي وأحد عوامل الثبات في الأرض والازدهار العمراني والثورة العلمية التي شهدها الجنوب خاصة بعد تحرير القرى المحتلّة في أيار عام 2000.
هذه الزراعة لاقت إقبالا كبيراً في السنوات الماضية خصوصاً مع رفع سعر كيلو التبغ ليتناسب مع ما يعانيه المزارعون من مشقة ومرارة تشبه مرارة شتلة التبغ، فهذه الزراعة تستنفذ جهداً كبيراً بدءً من رش البذور في المشاتل، وبعدها تبدأ العناية بالشتول الصغيرة، ليصار إلى نقلها لاحقًا إلى الحقول وزرعها على مساحات واسعة، وتبدأ العائلة مجتمعة التوجه قبل الفجر إلى الحقول لقطف ورقة التبغ الكبيرة، وتجميعها لشكّها باستعمال “الميبر” في خيوط طويلة، لتعلّق على المنشر تحت أشعة الشمس لتيبس، ويعاد تكديسها في صناديق خشبية لتُسلّم في وقت محدد إلى إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي).
هذه الرحلة الشاقة تستمر على مدار السنة، فينتهي الموسم الأوّل ليكون الموسم الثاني قد بدأ، يعني الرحلة تستمر إثني عشر شهراً، بليلها ونهارها، فالمزارع يصبر طوال العام ليصل إلى نهايته ويقبض ثمن تسليمه للمحصول ليؤمن لقمة العيش ومستلزماته، إلّا أنّ الأوضاع الصعبة التي حلّت بالمزارعين بشكل عام أصابت مزارعي التبغ أيضًا، فالمال الذي كانوا يجنونه من زراعتهم فقد قيمته الشرائية بنسبة كبيرة، في ظل انهيار اللّيرة اللّبنانية، كذلك تكاليف الزراعة باتت كبيرة جداً مقارنة بالسنوات السابقة، ما دفع بمزارعي التبغ لإطلاق صرختهم للمعنيين لإنقاذ هذا القطاع الحيوي، والوقوف إلى جانبهم قبل أن يهجروا حقولهم، فتندثر هذه الزراعة.
“أحوال” تواصل مع السيد سلام الحاج أحد مزارعي التبغ في بلدة ميس الجبل قضاء مرجعيون، الذي أكد أن وضع المزارعين اليوم أصبح صعب للغاية، فكلفة الزراعة باتت كبيرة جداً فعلى سبيل المثال كانت حراثة دنوم الأرض تكلّف 20000 ل.ل أصبحت اليوم تكلّف 60000 ل.ل وربما أكثر في بعض البلدات، أمّا سعر كيس الخيش كان ثمنه ألف وخمسمئة ل.ل واليوم أصبح عشرة آلاف ل.ل، كذلك سعر “الميبر” (المسلّة) كان سعره ألف وخمسمئة ل.ل اليوم أصبح عشرة آلاف، وسعر رزمة الخيوط كانت عشرة آلاف ل.ل اليوم أصبحت ثمانين ألف ل.ل، هذا عدا عن أسعار الأدوية والأسمدة التي طار سعرها لحد الجنون، ويضيف الحاج أنّه إذا لم يرفع سعر كيلو التبغ، فلن يستطعوا أن يكملوا في هذه الزراعة التي باتت مهدّدة، مطالبًا المعنيين بالتحرك فوراً لإنصاف المزارع وإيجاد حل لقبض ثمن التبغ المسلَّم للريجي عبر محاسب معتمد من الإدارة وليس عبر المصارف التي تتقاضى عمولة على معاملة قبض الشيك المصرفي، وأحيانًا كثيرة يتم تجزئة الشيك ليتم قبضه على مراحل ما يرتب مزيدًا من الأتعاب والتكاليف على المزارع.
كما اتصل “أحوال” بنقيب مزارعي التبغ في الجنوب ونائب رئيس الإتحاد العمالي العام حسن فقيه الذي تحدث عن معاناة المزراع اليوم في ظل ارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي على المزارع، إذ لا يمكن تحميله وزر ارتفاع الأسعار، مؤكداً سعي النقابة مع الريجي لرفع سعر كيلو التبغ بما يتناسب مع أتعاب المزارع إذ ليس من المنطقي رفع سعر السجائر في السوق اللّبناني أو التي تصدَّر للخارج وجني الأرباح منها، وبنفس الوقت إبقاء سعر كيلو التبغ على حاله وكأن على المزارع أن يتحمل وحده نتائج الأزمة الاقتصادية والمالية المتردية.
وقال فقيه: كان سعر كيلو التبغ 8$ وكانت تساوي 12000 ل.ل ، أمّا اليوم فأصبحت في السوق السوداء 68000 ل.ل ، لكن كل ما يطلبه المزارع هو أن يتم حساب الدولار بالعودة إلى سعر المنصة التي وضعها مصرف لبنان لكي يخفف من خسائره، ويضمن استمراريته في الموسم الجديد.
فقيه أكد أنّ رفع سعر التبغ يقع على عاتق وزارة المالية التي تتلقى التقارير من الريجي حول الكلفة التي يتحملها المزارع، ولذلك سيتم التواصل مع المعنيين في وقت قريب جدًا ليُنصَف المزارع ويبقى في أرضه وتستمر هذه الزراعة القيّمة.
واقع زراعة التبغ في الجنوب يشبه كثيراً باقي الزراعات في لبنان، فالأزمة المالية والاقتصادية أرخت بظلالها على جميع القطاعات، لكن هذه الزراعة المُرّة والمتعبة علّمت زارعَها الصبر، فرغم الأزمات التي حلّت به يعلّق المزارع آماله بأن تلتفت الدولة على حاله وحال عياله قبل فوات الأوان، وقبل أن تنبت الأشواك مكان الشتلة الخضراء، فتندثر زراعة التبغ.
منير قبلان