طرابلس بلا بيوت سياسيّة.. ووجوه جديدة تكتسح الإنتخابات
مفارقتان غير مسبوقتان سجلتهما نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة في مدينة طرابلس ودائرة الشّمال الثانية التي تضم طرابلس والضنّية والمنية، لم ترسما فقط معالم السنوات الأربع المقبلة من عمر المجلس النيابي الجديد، بل رسمتا أيضاً ملامح المشهد السياسي والإنتخابي في المرحلة المقبلة ولسنوات عديدة، وسوف تغيران بلا شكّ الكثير من تموضع عاصمة الشّمال السّياسي والوطني.
المفارقة الأولى والبالغة الأهمية تمثلت في خسارة النائب فيصل كرامي مقعده النيابي بعدما تأخّرت لائحة الإرادة المنضوي فيها عن تأمين أكثر من حاصلين ذهبا إلى حليفيه في طرابلس النائب المنتخب طه ناجي وفي الضنّية النائب جهاد الصّمد، وهي خسارة لا تعني فقط خسارة عائلة سياسية عريقة إرتبط تاريخ المدينة السياسي فيها منذ الإستقلال وحتى اليوم، عبر جدّه رجل الإستقلال الرئيس الراحل عبد الحميد كرامي، وعمّه الرئيس الراحل رشيد كرامي ووالده الرئيس الراحل عمر كرامي، بل لأنّ هذه الخسارة جعلت مدينة طرابلس خالية كليّاً من تمثيل البيوتات السّياسية التي عرفتها طوال السنوات والعقود السابقة، بعدما أفرزت نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة تجديد تمثيل المدينة في داخل المجلس النيابي بأكمله.
إقفال جميع البيوتات السّياسية الطرابلسية لم يستغرق أكثر من دورة إنتخابية واحدة، في تطوّر إنتخابي وسياسي وإجتماعي لم تعرفه طرابلس من قبل، ولا أيّ منطقة لبنانية أخرى، في حدث بدا وكأنّه نسف لكلّ الطبقة السياسية في مدينة “إم الفقير”، وهو أحد ألقاب طرابلس، واستبدالها بطبقة سياسية جديدة لم تتضح معالمها بعد.
فقبل إنتخابات عام 2018 أعلن النائب والوزير السّابق محمد الصفدي عزوفه عن الترشّح، قبل أن تسفر تداعيات حَرَاك 17 تشرين الأوّل 2019 والإنهيار المالي والإقتصادي، ومن ثم عزوف الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي عن خوض الإنتخابات، ما دفع النائب سمير الجسر إلى إعلان عزوفه أيضاً، ومثله فعل النائب محمد كبّارة لكنّه أوكل مهمّة إكمال مسيرته إلى نجله كريم، بالتزامن مع رحيل وجوه سياسية عريقة في طرابلس خلال هذه الفترة من الرئيس عمر كرامي إلى النائبين الراحلين أحمد كرامي وجان عبيد وغيرهم.
خسارة البيوتات السّياسية في طرابلس تمثيلها النيابي أضيف إليها خسارة ممثلي الأحزاب والتيّارات السيّاسية العريقة في المدينة، إذ في موازاة خسارة النائب السّابق مصطفى علوش التي جعلت تيّار المستقبل يغيب عن تمثيل المدينة نيابياً للمرّة الأولى منذ 2005، بعدما كان سابقاً يكتسحها بالكامل مع حلفائه، جاءت خسارة الجماعة الإسلامية كبيرة ومزدوجة؛ فقد خسرت في مدينة ودائرة إنتخابية تعتبرها معقلها الرئيسي في لبنان، كما أنّ هذه الخسارة كانت من نصيب أعلى مسؤول فيها هو أمينها العام عزّام الأيوبي، في تطوّر يعكس تراجع حضور الجماعة، أو “إخوان لبنان” كما يلقبون، سياسياً وشعبياً.
أمّا المفارقة في نتائج الإنتخابات الأخيرة في طرابلس ودائرتها فكانت أنّ نفضة شاملة حصلت في دائرة الشّمال الثانية التي تضمّ 11 مقعداً نيابياً، بفوز 10 نوّاب جدد، إذ سقط جميع النوّاب الحاليون والسّابقون، باستثناء النائب الحالي عن الضنّية جهاد الصّمد، الذي كان الوحيد في هذه الدائرة بين النوّاب الحاليين الذي حافظ على مقعده، بعدما امتدت نتائج الإنتخابات النيابية لتقفل أيضاً بيتين سياسيين آخرين إلى جانب بيت كرامي، بعد خسارة النائب سامي فتفت في الضنية والنائب عثمان علم الدين في المنية.
وإذا كانت التجارب السّياسية والإنتخابية دلّت على أنّ إقفال البيوتات السّياسية لا يكون نهائياَ، وأنّ ممثلي هذه البيوتات لا يرفعون الراية البيضاء بسهولة، ولا يستسلمون، فإنّ خسارة هذه البيوتات على هذا النحو فتح الباب واسعاً أمام مرحلة جديدة في طرابلس ستكون لها تداعيات وتأثيرات على كلّ الصّعد.
عبد الكافي الصمد