المقدسية شيرين أبو عاقلة عاشت شاهدة وقضت شهيدة
رصاصة مباشرة في الصدغ أطلقتها القناصة الإسرائيلية بشكل مباشر
لا حدود لإجرام الاحتلال لا حدود للقتل عند العدو ولا حدود لخسائر الامة العربية دون حسيب أو رقيب ولم تعد المفردات قادرة على رصف المزيد من التعابير لوصف همجية الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه المرتكبة في فلسطين.
و”كلما احتاجت السماء نجمة، أخذت شهيداً من فلسطين”، يُردد الفلسطينيون. ونجمة اليوم المراسلة الصحافية شيرين أبو عاقلة المجاهدة الرصينة الوطنية المعطاءة المثابرة على خدمة الوطن أثناء تغطيتها لأحداث اقتحام مخيم جنين.
ابنة مدينة القدس التي كانت عين وصوت المعاناة الفلسطينية وحربها الدائمة ضد الاحتلال، أطفأت عينيها الواسعتين، التي كانت تأخذ المشاهدين إلى حارات فلسطين وأزقتها، برصاصة غادرة في الصدغ وفي جريمة كاملة مع سبق الإصرار والترصد ارتكبها المحتل بدم بارد ليضيف جريمة موصوفة لسلسلة جرائمه اللامتناهية.
كانت تغطي الخبر المستمر حول جرائم الاحتلال، وآخر رسالة لها على مواقع التواصل الاجتماعي فجرًأ كانت “أنا في طريقي الى جنين وسأوافيكم بالخبر فور اتضاح الصورة” وكانت هي الخبر الذي عمّ الإعلام والصورة التي اجتاحت وسائل التواصل الإجتماعي.
شيرين أبو عاقلة حارسة الرواية الفلسطينية العادلة ترتقي برصاص الاحتلال في جنين، وكانت نور صباح مؤلم كسر قلوب الفلسطينيين والعرب وكل أحرار العالم، لن تخفت الصورة ولن تسكت أصوات شجعان العالم. آخر ما كتبت شيرين أبو عاقلة إلى بريد قناة الجزيرة فجر اليوم، بحسب ما تناقله زملاؤها:
“في الطريق إلى جنين”
“إن أردت أن تبدو قويًّا، قل: في الطريق إلى جنين.
وإن كنت حزينًا، أو تائهًا، قل: في الطريق إلى جنين.
وإن أردت صلاة، قل: في الطريق إلى جنين.
وإن سألك أحدهم كيف يبدو الطقس اليوم؟ قل: في الطريق إلى جنين.
مطر الله، وأحزان يعقوب، والنهاية، والبكاء، والأعياد، والحجّ، وتناقضات الحياة كلّها، تجدها في الطريق إلى جنين.
طيلة ربع قرن، كانت أبو عاقلة في قلب الخطر لتغطية حروب وعدوان الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، حفظ الشاهدون رنّة صوتها ولهاثها تحت نيران العدو لتنقل الصوت والصورة وتروي ما يرتكبه الاحتلال.
ولدت شيرين في عام 1971 في القدس، وتخرجت من مدرسة راهبات الوردية في بيت حنينا في القدس، ويعود أصلها لمدينة بيت لحم.
درست في البداية الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن، ثم وانتقلت إلى تخصص الصحافة المكتوبة، وحصلت على درجة البكالوريوس من جامعة اليرموك في الأردن.
عادت بعد التخرج إلى فلسطين وعملت في عدة مواقع مثل وكالة الأونروا، وإذاعة صوت فلسطين، وقناة عمان الفضائية، ثم مؤسسة مفتاح، وإذاعة مونت كارلو ولاحقًا انتقلت للعمل في عام 1997 مع قناة الجزيرة الفضائية حتى وفاتها برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في أيار 2022.
شبكة الجزيرة الإعلامية أدانت جريمة القتل البشعة التي ويراد من خلالها منع الإعلام من أداء رسالته، وفي بيانها حمّلت قناة الجزيرة الحكومة الإسرائيلية وقوات الاحتلال مقتل الزميلة الراحلة شيرين، كما طالبت المجتمع الدولي بإدانة ومحاسبة قوات الاحتلال الإسرائيلي لتعمدها استهداف وقتل أبو عاقلة عمداً.
كما تحمل السلطات الإسرائيلية مسؤولية سلامة منتج الجزيرة علي السمودي الذي استهدف مع الزميلة شيرين بإطلاق النار عليه في ظهره أثناء تغطيته للحدث نفسه وهو يخضع حاليًا للعلاج.
ولاحقًا، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن إصابتها بعيار ناري بالرأس وأنها وضعها حرج للغاية خلال تغطيتها لاقتحام الجيش الإسرائيلي لمخيم جنين.
البكاء الذي لا بنقضي والدموع التي لا تجف في فلسطين منذ اغتصاب أرضها، تضاعفت قطراتها اليوم وقد عمّ الحزن الضفة والقدس وغزّة. وأعلنت الأراضي الفلسطينية الحداد العام على الشهيدة.
الصحافي جمال القريوتي الذي عرف الزميلة الشهيدة شيرين منذ قرابة ثلاثين عامًا في جامعة اليرموك يقول إنها كانت مثالاً للرزانة ورجاحة العقل والانتماء لشعبها الفلسطينيً. ويتابع “عند الحديث عن هذه الاعلامية والانسانة المتميزة بصيغة فعل الماضي الناقص “كانت” تصير مفردات اللغة رديف الخسارة والنقصان”.
لأكثر من ربع قرن عملت مراسلة تلفزيونية ميدانية تنقل بالصوت والصورة كشاهدة حية على جرائم كيان المستوطنة الصهيونية في فلسطين وها هي تقضي شهيدة في جريمة جديدة لقطعان جيش المستوطنة، في محاولة فاشلة لإطفاء كل صوت وصورة لجرائمهم المرتكبة الخارجة عن كل الأعراف والمواثيق الدولية.
دماء شيرين أبو عاقلة ستكون بحسب القريوتي، “الفيصل في خط قناة الجزيرة التطبيعي عبر استضافة وجوه كيان المستوطنة الصهيونية تحت مسمى الرأي والرأي الاخر”.
شيرين ترتقي شهيدة بعدما غطت مئات جنازات الشهداء، تقول الصحافية القدسية كريستين ريناوي “شيرين اسم كبير في عالم الصحافة، شيرين القلب الكبير، شيرين الأستاذة في الإنسانية والاحترام والأخلاق قبل الصحافة”.
ماتت شيرين ولن تنطفئ الصورة، ولن تخفت حقيقة بشاعة جرائم الاحتلال منذ أكثر من 74 عامًا. ويوم أسود في تاريخ الصحافة سيبقى يذكر شهادة شيرين ويوم أسود جديد في سجل الاحتلال الإجرامي.
ربما قدرُ الفلسطيني على هذه البلاد أن لا يحيا حياةً طبيعية فقد ولد في فم الموت واللهب ويراوغ الموت ما استطاع الى ذلك سبيلا.
دم الشهداء يضخ الحياة في شرايين فلسطين لتبقى ولادة الأبطال حتى التحرير والنصر.
رانيا برو
تعليق واحد