منوعات

أسر تلجأ للحطب قبل حلول الشتاء وبيئيّون يحذّرون من “مجرزة”  

قبل أسابيع من بدء موسم الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بدأت عائلات لبنانية بقطع الأشجار وتحويلها إلى حطب، في خطوة استباقية لغياب المازوت أو ارتفاع سعره في ظل ظروف اقتصادية صعبة، في وقت يطالب ناشطون بيئيون الدولة بالتحرّك واصفين ما يجري بأنّه “مجزرة”.
لا حلول تلوح في الأفق. كثير من اللبنانيين، خاصة من يسكنون المناطق المرتفعة أو في بيوت غير مؤهلة جيداً للحماية من الصقيع، يشعرون بخوف مُضاعف إلى قلقهم اليومي من مسار الأزمة على حياتهم.

ويتأتى هذا الخوف من الأجواء المقلقة في قطاع المحروقات، الذي يدخل كل فترة في دوامة من الأخذ والردّ حول توفر المازوت والغاز والبنزين، وكذلك احتمالات فقدانها أو وجودها لكن بأسعار لا قدرة لمعظم الأسر اللبنانية على تحمّل تكاليفها، بعد رفع الدّعم عن المحروقات.
هكذا قرّر البعض العودة سنيناً إلى الوراء. إلى خيار بات ملحاً ولم يكن لأسلافنا غيره، التحطيب. فقد لجأت عائلات في أكثر من منطقة لبنانية إلى توفير وسائل التدفئة وقد أصبحنا على أبواب فصل الشتاء، الذي يحلّ شديد البرودة بسبب التغيرات المناخية التي تعصف بالعالم. إذ يذهب بعضهم إلى قطع الأشجار لاستخدام خشبها مادة للتدفئة.
لكن هذا ما لم تسمح به السلطات اللبنانية، فعمدت إلى ملاحقة عدد من أبناء قرى قضاء البترون، ممّن اضطروا لجمع الحطب من الآن تجنباً للصقيع الآتي.
هذا الأمر قابله الأهالي بالإستنكار، عاتبين على “الدولة” التي تريد حرمانهم من أي خطوة بديلة يحفظون بها كرامتهم وحياة عائلاتهم، على ما صرحّ أحد البترونيين لـ “أحوال”.

إذ يقول شربل: “يجب وقف هذه الملاحقات. نحن في أوضاع صعبة للغاية، وربما تنقطع المحروقات نهائياً، ماذا أفعل حينها لأطفالي؟ هل أتركهم يموتون من البرد؟”.
وأضاف:” وحتى لو توفرت مادة المازوت، لن يكون بإمكاني تحمّل سعرها الذي يقال إنه سيصير أضعاف ما هو عليه اليوم، وهذا يحتاج ميزانية كبيرة، وعندها سأكون أمام خيارين: إمّا أن أطعم عائلتي أو أن أدفئها وأتركها تموت من الجوع”.
لا يختلف الأمر عند عباس، وهو ربّ أسرة من ستة أطفال في إحدى قرى البقاع. وفي اتصال مع “أحوال” أكد أنه لا يملك حتى ثمن رزمة حطب للتدفئة، مشيراً إلى أن “هذا حال الكثيرين من أبناء القرى والمنطقة”.

ولذلك فقد لجأ إلى عملية التحطيب بنفسه. لكن عند سؤاله عن الجرم الذي يرتكبه بحق البيئة، في بلاد تخسر الكثير من ثروتها الحرجية، اعترف قائلاً: “أعلم أنا ما أفعله خسارة، وأنني أقطع ما يتوفر أمامي من أشجار، ربما علينا الإنتظار عشرات السنين لتنبت غيرها، لكن هذا هو حالي. ماذا أفعل عندما يغطي الثلج سقف البيت وعتبته؟”.

وهنا يجيب: “الإنسان أبقى من الشجر والحجر وكل شيء. بصراحة، آخر همي الشجرة قدّّام إني شوف ولادي بردانين”، معلقاً على أداء السلطة اللبنانية “ogd الدولة تضبط أسعار المازوت وبعدين تحاسب وتهتم بالشجر، وإذا كانت حكومتنا خائفة على البيئة لماذا تركوا الحرائق تأكل الأخضر واليابس في كل لبنان؟ لماذا لا يوقفون مفتعلي الحرائق وهم معروفين في كل منطقة؟ ولماذا لا تستقوي دولتنا إلا على الفقير؟”.

ناشطون بيئيون لـ “أحوال”: ما يجري استكمالاً للمجزرة   

“يجب التصدي لتمادي البعض ولا سيما تجار الحطب في التعدّي على المساحات الخضراء، التي تعتبر ملكاً لجميع اللبنانيين. سلامة البيئة هي أمن بيئي للناس. وكل يد تمتد إلى شجرة وتقطعها يجب على الدولة أن تقطع يده ولسانه”، بهذه الكلمات طالب الناشط البيئي ربيع سالم السلطات اللبنانية للتدخل لوضع حدّ للكارثة التي ستحل بالبيئة ويختبر اللبنانيون نتائجها سنة بعد أخرى.

ويضيف رئيس “الإتحاد اللبناني للجمعيات البيئية” في حديث لـ “أحوال” أنه على الرغم من تفهم الوضع الإقتصادي الكارثي والدوافع التي تدفع الناس إلى التدفئة على الحطب، لكن البيئة اللبنانية “لا تحتمل المزيد من الحرائق وتقلص المساحات الخضراء التي تسبب زيادة في التلوث وتالياً ارتفاع نسبة الأمراض”.

وحول النقطة المتعلقة بالحرائق أوضح سالم أنه يقع على الدولة واجب “تقليم الأشجار (التشحيل)، وأن تفرض هذا الأمر على كل من يمتلك أرضاً أو مساحة خضراء”، موضحاً “لو أنّ أحراجنا تم تقليم أشجارها بشكل دوري، لما كنا شهدنا الحرائق بالشكل الذي شهدناه. تقليم الأشجار يحميها من الحرائق”.

ويأتي كلام سالم في وقت وجهت فيه هيئة تدعى “هيئة الطوارئ الشعبية في منطقة البترون”، كتاباً الى محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، طلبت بموجبه “السماح للمواطنين بتشحيل (تقليم) وتجميع الحطب المنزلي من دون الحاجة إلى تراخيص”، وذلك “في ظل حالة من الضيق والعوز والفقر التي يعيشها أهلنا في منطقة البترون وفي لبنان عموماً”.

واتهمت الهيئة المذكورة “مكاتب الأحراج” بتسطير محاضر ضبط بأصحاب الأراضي الذي يلجؤون إلى التقليم للإستفادة منه كحطب”.

لكن سالم يكذبّ ادعاءات الهيئة، ويقول إن قيام المزارعين وأصحاب الأراضي بتقليم الأشجار التي تقع ضمن ملكيتهم لا تحتاج إلى ترخيص أبداً، مشيراً إلى أن التراخيص تعطى حصراً للبعض للقيام بتقليم الأحراج.

وفي لبنان، كما العادة، يجري التحايل على كل القوانين. حيث يبيّن سالم أنّ بعض من يحصلون على رخص التقليم من وزارة الزراعة يخالفون قانون الرقابة حيث يذهبون إلى قطع أشجار الأحراج بدلاً من تقليمها، مضيفاً أنّ من يرفعون الصوت اليوم لإلغاء محاضر الضبط ” ليسوا فقراء، بل تجّار يتسترون بالوضع المعيشي لقطع الأشجار والاستفادة مادياً”.

ويوضح أنّ هؤلاء “يعمدون إلى قطع الأشجار حيث يبيعون طنّ الحطب بــ 250 دولار، وهذا ما حصل في حرج رشكيدي في البترون الذي أصبح بيئياً في حالة مزرية للغاية”.

ويرى الناشط البيئي نفسه أنّ الفقر ليس حجة منطقية ومقبولة لقطع الأشجار. إذ أن معظم الفقراء لا يملكون أراض زراعية، فيما يكفي تقليم دونم واحد من الأراضي المزروعة بالأشجار حاجة أي منزل للتدفئة، من دون اللجوء إلى قطع الأشجار.

وعليه، فقد شدّد على ضرورة معاقبة من وصفهم بــ “المجرمين بحق البيئة ومن يغطيهم والمستفيدون من هذا الوضع”، مذكّراً بأنّ “تجّار الفحم والخشب ينشطون في كل موسم غير عابئين بالطبيعة ولا بالبيئة فيعمدون إلى قطع الأشجار عشوائياً، ما جرى ويجري استكمال لمجزرة عمرها سنوات. لا يمكنك أن تقطع شجرة بإسم الجوع. قاطع الشجر مثله مثل المجرم والسارق. على الجهات المعنية التحرك سريعاً”

 

نانسي رزوق

نانسي رزوق

صحافية منتجة ومعدة برامج تلفزيونية وأفلام وثائقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى