مجتمع

موسم “السليق” غذاء الفقراء

تأخر فصل الربيع هذا العام بسبب موجات الصقيع الأخيرة، ليتأخر بدوره موسم “السليق” الذي ينتظره الفقراء في القرى والبلدات الجنوبية.

أسبوع واحد على توقف الأمطار وبدء حرارة الطقس بالارتفاع، حتى امتلأت الحقول والبراري بالفقراء والهواة الباحثين عن أعشاب السليق؛ كل صباح تخرج جميلة عليان، ابنة بلدة تولين (مرجعيون) المشرفة على وادي الجير، الى الحقول القريبة من وادي الحجير، تحمل سكينا وكيساً من النايلون وتسير مئات الأمتار، لتعود كل يوم محملة بأعشاب الخبيزة والهندباء والهليون، بينما يقصد زوجها التلال القريبة ليعود محملاًّ بالزعتر البرّي.

اعتادت عليان مع عشرات النسوة على تحمّل مشقة السير بحثاً عن لقمة العيش، لكن “الربيع يؤمّن دخلاً مقبولاً، لأن ثمن كيس الزعتر يزيد على 50 ألف ليرة، وكذلك الخبيزة والهندباء وغيرها من الأعشاب. أما عشبة الهليون، فقد زاد ثمن الضمّة الصغيرة، التي لا يزيد عدد عيدانها على العشرة، فقد بات سعرها 20 الف ليرة”.

أعداد الراغبين بشراء أعشاب السليق تزداد يوماً بعد يوم، “ليس لطعمها اللذيذ فقط، بل لكثرة فوائدها الصحية ورخص ثمنها نسبة الى ثمن الخضار الأخرى واللحوم”، حيث تؤكد عاتكة سرور (عيتا الشعب) على أن نبتة الخبّيزة من أكثر الأعشاب فائدة لأنها وفضلاً عن أنها تستخدم في الطعام، فهي تستخدم دواءً مهدّئاً للسعال ومكافحاً للالتهابات المختلفة”.

ويسرد ابو حسين سرور فوائد الخبيز، فيقول إنه “مدرّ للبول ومهدئ للسعال ويزيل التهابات الحنجرة”؛ سرور الذي يقصد الحقول القريبة من بلدته مع بعض صحبته، بهدف التنزّه وقطف نبات الهليون، الذي لم يحن موعده بعد في القرى الجبلية المرتفعة، يؤكد على أن نبات الهليون “من أطيب الطعام وأسهله تحضيراً، ويضرب بطراوته المثل، إضافة إلى أنه يحيل طبقاً عادياً من البيض المقلي إلى أكلة فاخرة، كل ذلك في 5 دقائق، ويجب أن تبحث عنه بين الأعشاب النابتة أسفل أشجار الزيتون وبجانب الصبّار”.

بعض الصبية في منطقة مرجعيون بدأوا برحلات البحث عن الزعتر البري الذي ينمو في التلال والأودية البعيدة عن المنازل. هكذا ينتظر حسن يونس (15 سنة) يوم العطلة المدرسية، للذهاب إلى الحقول البعيدة وجني ما تيسر له من الفطر، لكن أهله، كما يقول، أصبحوا يشجعونه على الذهاب لقطف ثمار الربيع، بعد أن كانوا يمنعونه في السنوات الماضية، والسبب يعود “الى حاجتنا الماسة الى الأموال التي أجنيها من بيع الزعتر والهليون”.

واليوم، يشكو البعض من قلّة الأراضي التي لا تزال برية بسبب العمران الفوضوي، وتقول فاطمة ياسين، “منذ عشر سنين كانت الأمكنة المحيطة ببلدتنا مجدل سلم عذراء، لا يطأها إلا الفلاحون والصيادون، أما اليوم فقد تضاءلت مساحة الأراضي الزراعية بسبب العمران الذي ملأ كل الأودية والحقول المحيطة بالبلدة، لذلك فان رحلة البحث عن السليق باتت تطلب السير مئات الأمتار للوصول الى الحقول البور والبعيدة عن المنازل”.

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى