صحة

شبكات مُحترفة تهرّب الدواء من لبنان الى العراق وليبيا طمعاً بالدولار “الطازج”

انقطاع الدواء في الصيدليات: تهريب وتخزين وتحديد إستيراد

كان كافياً التلويح برفع الدعم عن الدواء لتقع الأزمة، فاليوم لا يزال دعم مصرف لبنان لاستيراد الدواء مستمراً، لكنّ القطاع يعاني، والمواطن يعاني معه، فكما كبُر حجم التهريب في قطاع المحروقات، توسّع نطاق التهريب في قطاع الدواء، إلى جانب أزمة أخرى لا تقلّ صعوبة متعلّقة بتوفّر الدواء في الصيدليات.

منذ فترة أسابيع انقطع دواء “الكولشيسين” من الصيدليات، ولمن لا يعلم فإن هذا الدواء، الذي يبلغ سعره 5500 ليرة فقط، يُستعمل بشكل أساسي من قبل مرضى حمى البحر المتوسط، وهو مرض وراثي لا علاج له، والأخطر أن لا بديل عنه للمريض، وبحال توقف عن تناوله ليومين أو ثلاثة، سيكون بانتظاره الآلام المبرحة. بعد الإستفسار عن هذا الدواء وسبب انقطاعه قيل من قبل مسؤولين في نقابة مستوردي الأدوية إنّ المشكلة بتأخر مصرف لبنان عن فتح الإعتمادات لشراء الأدوية، ما يجعلها تتأخر عن الوصول لفترة تتراوح بين شهر وشهر ونصف، ما يؤدي إلى انقطاع الأدوية من الصيدليات.

أسباب انقطاع الدواء الحقيقيّة

ما لم تقله النقابة يقوله أحد الصيادلة الذي كشف عبر “أحوال” عن أنّ “الكميّات التي تستلمها الصيدليات من الأدوية لم تعد نفسها، فمثلاً لم نعد نستلم نفس كمية دواء “الكولشيسين”، وأصبح يُوزّع بالقطّارة شهرياً، والسبب هو إنخفاض الكميّات المستوردة، وتحديد الإستيراد، لأسباب لها علاقة باستيراد الأدوية الغالية لأجل بيعها إلى خارج لبنان بالدولار”.

هذا الكلام يفتح الباب لمقاربة مسألة تهريب الدواء، خصوصاً بعد الخبر الذي نشرته القوى الأمنية والذي تتحدّث فيه عن قيام عناصر فصيلة تفتيشات المطار في وحدة جهاز أمن السفارات والإدارات والمؤسسات العامة، بتاريخ 4 تشرين الأول 2020، بإحباط عمليّة تهريب كميّة من الأدوية قام بها 6 أشخاص من الجنسيّة المصريّة، كانوا متوجّهين إلى القاهرة، وضُبط بحوزتهم: – 161 علبة PANADOL، غير المتوفر في كل الصيدليات، – 10 علب CENTRUM،- 33 علبة COLCHICINE،- 128 علبة EUTHYROX،- 20 علبة SOLPADEINE،- علبتا SABRIL،- 184 ظرف PANADOL،- 147 ظرف EUTHYROX
، – 12 ظرف XTANDI،وعلبة PYLERA.
إذا عند الحديث عن أسباب انقطاع الدواء من الصيدليات، يجب البحث عن أمرين، تقول مصادر نيابية متابعة، الأول هو هلع المواطن وتخزينه للدواء، والثاني هو إخفاء الدواء لتهريبه.

-مصادر نيابية: هلع قبل رفع الدّعم

تؤكد المصادر النيابية عبر “أحوال” أن التصريحات اللامسؤولة بخصوص رفع الدعم عن الأدوية سبّبت حالة من الهلع، ما أدّى لقيام المواطنين بتخزين كميّات من الأدوية في منازلهم، خوفاً من انقطاعها، مشيرة الى أنّ محاولات مكافحة هذا الأمر عبر قرار نقابة الصيادلة بعدم بيع أكثر من علبة لكل مواطن، لم تنجح، لأن المواطن عمد إلى شراء علبة من كل صيدلية، لذلك هناك محاولة اليوم بتقييد وصفات الأطباء للأدوية.

أما بالنسبة الى التهريب فهو الأخطر، إذ تكشف المصادر النيابية أنّ ما تم ضبطه في المطار هو محاولات تهريب كميات قليلة نسبة لما يتم تهريبه، فالأخطر من حادثة المطار هو وجود شبكات محترفة تعمل على تهريب الأدوية إلى ليبيا والعراق بالدرجة الأولى، مقابل الدولارات الطازجة، التي تمكّن المهربين من تحقيق أرباح خيالية عند المقارنة بين سعر الدواء “المدعوم” في لبنان وسعره بالخارج، مشيرة إلى أن بعض الوكلاء في لبنان قد يكونون متورّطين بهذا الأمر، لذلك على الأجهزة الأمنية التدقيق بحجم استيرادهم، وتتبّع الأدوية من المصدر إلى المستهلك.

الدولة معنية بمعرفة مصدر الدواء المهرّب

علم “أحوال” أن الأجهزة الأمنية تملك معلومات حول شبكات التهريب، وهي تستكمل البحث والتحري لرسم الصورة كاملة والتحرك على أساسها. من جهته يعلم نقيب الصيادلة غسّان الأمين أنّ التهريب موجود، ولكنه ينفي علمه بمصدر الدواء المهرّب، داعياً في حديث لـ”أحوال” إلى أن تتحرّك أجهزة الدولة لتضع يدها على الملفّ وتفتّش عن المصدر، سواء كان من الصيدليات أو من الوكيل مباشرة.

ويشير الأمين إلى أن أزمة الدواء مستمرة ولن تنتهي قريباً، إلا إذا انتهت أسباب وجودها، متحدّثاً عن وجود 3 جهات تعمل على دراسة الحلول الممكنة لأزمة الدواء، ومصير القطاع بعد رفع الدعم، وهي وزارة الصحة، اللجنة التي شكّلها مجلس الوزراء، ومصرف لبنان، داعياً للتعاون بين الجميع لأن المسألة ليست سهلة، بل تحتاج الى دراسات معمّقة نظراً لحساسية المسألة.

يكشف الأمين أن أحد الحلول المقترحة هي دعم أدوية، ورفع الدعم عن أدوية أخرى، بعد دراسات تحدّد الحاجة، دون الدخول بشكل كامل في مسألة “البراند” و”الجنيريك” لأن “الجنيريك” في لبنان لا يغطّي كل الأدوية، وبحال رفعنا الدعم عن كلّ أدوية “البراند” فهذا سيجعل ما يزيد عن نصف عدد الأدوية التي لا بدائل لها غير مدعومة حالياً.

محمد علوش

محمد علوش

صحافي لبناني، يحمل إجازة في الحقوق وشهادة الماستر في التخطيط والإدارة العامة من الجامعة اللبنانية. بدأ عمله الصحافي عام 2011، وتخصص في كتابة المقالات السياسية المتعلقة بالشؤون اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى