مجتمع

علويو جبل محسن: دافع عنهم موسى الصدر وورّطهم علي عيد؟

المقتطف

تلقفتُ كتاب “علويو جبل محسن في لبنان بين 1900-1980″، كونه كتاب يسد نقصاً في المكتبة العربية نظراً لقلة الاصدارات في هذا الإطار، خاصة أنّه كتاب توثيقي علمي، وهو نتاج دراسة أكاديمية، ونتيجة جهد بحثي لشيخ علويّ أيضاً، على أن يتبعه جزء ثاني عن مرحلة (1980-2005).

على مدى 365 صفحة يجهد الشيخ شادي عبده مرعي، إبن جبل محسن، الباحث والأكاديمي في تبيان تاريخ هذه الطائفة التي غُيبت طويلاً على الصعيدين الرسمي والشعبي. ولحقت بها المظلومية، وبالأخصّ من أبناء الطائفة نفسها، أي الشيعة، الذين تنفسوا الصعداء بقدوم السيد موسى الصدر خلال ستينيات القرن الماضي حيث شكلت علاقته بهم إمتداداً لعلاقتهم بالسيد عبدالحسين شرف الدين، رغم إرادة البعض في جبل محسن كـ”علي عيد” الذي انتفض لدخول السيد موسى الصدر إلى جبل محسن عبر تعيين الشيخ علي منصور كمفتٍ للشيعة والعلويين معاً لمدينة طرابلس.

طائفة دون تمثيل

ينتشر العلويون المسلمون في الشمال اللبناني بشكل أساس، لكن رغم ذلك ظلّوا إلى ما بعد توّقف الحرب الأهلية اللبنانية، وعقد إتفاق الطائف لتمكنوا من الحصول على تمثيل نيابي في مجلس النواب اللبناني، بعد أن كانوا، ومنذ تأسيس لبنان 1920 من ضمن الأقليات حيث بات للعلويين نائبين يمثلان الطائفة التي وصل تعدادها إلى ما يقارب الـ100 ألف نسمة.

يمكن اعتبار الفترة الممتدة بين العام 1992 و2005 هي المرحلة الذهبية لأبناء الطائفة العلوية نظراً لارتباطهم العضوي بالنظام السوري الراعي الرسمي للنظام اللبناني في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الأهلية. لكن ما لم يظهر بشكل جليّ هو سر عدم اختيار قيادات سياسية تمثّل العلويين تمثيلاً حقيقياً؟
واليوم، يعاني العلويين، وخصوصاً من أبناء طرابلس وعكار من مظلومية متعددة، خاصة لجهة التنمية الاجتماعية والإقتصادية. حيث يقول الشيخ شادي مرعي في مقدمة كتابه هذا (.. اعتبرتهم الدولة أقليات لا حظ لهم إلا على فتات ما تبقى من نصيب الأكثريات…).

يشكو الباحث الشيخ شادي مرعي في كتابه من ندرة الأبحاث التي تناولت الطائفة، ومن الدراسات التي تغيّب العلويين، فهل هذا التغييب يعود لأسباب ذاتية أم موضوعية؟

أبرز الشخصيات العلوية

يتناول الباحث الشيخ شادي مرعي أبرز الشخصيات العلوية، وأوجه نضالها بوجه العثمانيين وفيما بعد الفرنسيين، كسليمان الأحمد وابنه محمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل)، إضافة إلى صالح العلي، الذي حظيّ بفترة من الفترات بدعم من كمال أتاتورك لمواجهة الفرنسيين.

ويشرح مسألة اعلان “دولة العلويين” الممتدة من شمال لبنان حتى جبال طوروس في تركيا في العام 1920 التي لم تدم طويلاً، وقد تبدل اسمها مرات عديدة بحسب الظرف السياسي في المنطقة التي كانت ترسم حدودها بأيدٍ فرنسية. وقد قسمت فرنسا هذه الدولة ألى أقسام ثلاثة فيما بعد.

من هنا، يمكن الاستنتاج أن استبعاد العلويين اللبنانيين من المناصب والتمثيل، ما بعد العام 1920 إلا بسبب اعلان “دولة العلويين” في الفترة ذاتها، رغم اشتراك السنّة والمسيحيين والاسماعيليين فيها أيضاً في غفلة مقصودة يراها الباحث مرعي أو غير مقصودة!.

ويسجل الباحث هنا عتبه على دولة الإنتداب التي حرمت العلويين من حقهم الدستوري عند اقرار الدستور 1923 حيث وضعت العلويين ضمن فئة اللاتين.

وكان يبلغ عدد العلويين في اللاذقية ومحيطها في إحصاء العام 1921 حوالي 200 ألف نسمة، في حين بلغ عدد المسيحيين في اللاذقية ألف نسمة فقط.

الاهمال والتهميش

هذا الكتاب البحثي يسجل في أكثر من مكان امتعاض العلويين واستيائهم من الاهمال والتهميش على يد الفرنسيين في كافة مراحل اعلان دولة لبنان الكبير، فبقيّوا على هامش الاستقلال، ومواطنين من الدرجة غير الملحوظة، على حد قوله، على صعيد التوظيف أو المحاصصة.

ويعزو ذلك إلى تقصير أبناء الطائفة أيضاً، إضافة إلى السياسة الرسمية المُتبعة حينها، فأبناء الطائفة غابوا عن اختيار قائد لهم يتحدث باسمهم أو بسبب غياب وجود مرجعية دينية تلم شملهم وتوّحدهم من الشتات والضياع. علماً أنّ العلويين انتسبوا باكرا إلى الأحزاب الوطنية في الشمال، كالحزب الشيوعي اللبناني، والحزب القومي السوري الاجتماعي، وحزب البعث العربي الإشتراكي بشقيه.

السيد موسى الصدر

ومن اللافت أن السيد موسى الصدر عيّن الشيخ علي منصور كمفتٍ شيعي في طرابلس افشله مجابهة علي عيد له، واعتراض الشيخ علي إبراهيم، وتم طويّ الصفحة بعد اغتيال نجل الشيخ علي منصور عام 1975.

وبهذا تكون محاولات السيد موسى الصدر التوحيدية، والتي كانت تصب في مصلحة العلويين قد ضاعت بسبب تعنّت عيد و”حركة االشباب العلوي المستقل”.

يتميّز كتاب الشيخ مرعي بسرد سيرة حياة طائفة من ألفها إلى يائها في محاولة تدوين لما أغفله التاريخ والسياسيون والمجتمع. وفي محاولة لاعادة رسم خارطة طريق لهذه الطائفة التي ظُلمت على مرّ العصور لأسباب مختلفة ومتنوعة، لكن بأغلبها ذات طابع سياسي.

يمكن القول إنّ كتاب الشيخ شادي عبده مرعي هو كتابين في كتاب واحد، وإن كان الأول مُكّمل للثاني. فهو يضم تاريخ العلويين في جزئه الأول، ويحكي حاضرهم في الجزء الثاني وهما مكمّلان لبعضهما البعض، ليفهم من لا معرفة لديه عن هذه الطائفة التي برزت بشكل قوي ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت من العام 1975 إلى العام 1990، ليكون هذا البحث مدخلا لفهم كل ما خفيّ عنها وعن تاريخها.

وجهة نظر أخرى

وتبقى الإشكالية التي تحتاج إلى وجهة نظر متقابلة، والتي تُعالج مشاركة العلويين في الحرب الأهلية، وما شملت من صراعات في الشمال، بدعم إقليمي أو محلي. فهل يمكن القول إنّ العلويين عادوا إلى حجمهم الأقلوي بعد إنسحاب الجيش السوري من لبنان؟ أم أن حجمهم الطبيعي لا زال كامناً؟ وهل أن المعارك التي خاضها علي عيد في جبل محسن بوجه السيد موسى الصدر، بداية، كانت مدعومة من أطراف سنيّة في طرابلس حتى لا يرتفع عدد الشيعة في لبنان؟

خلاصة القول، إنّ الحرب التي خاضها العلويون لم تكن برغبة منهم، فهم كما يشرح مرعي إستُعملوا في الحرب العبثية التي تنقلّت بين مختلف المناطق، وكانت الأداة محلية.

*علويو جبل محسن في لبنان (1900-1980)
المؤلف الشيخ شادي عبده مرعي
دار المحجة البيضاء-بيروت
يقع الكتاب في 375 صفحة حجم كبير

سلوى فاضل

سلوى فاضل

صحافية لبنانية، تحمل شهادة الدراسات العليا في الفلسفة من الجامعة اللبنانية، تهتم بقضايا حقوق النساء والفتيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى