خطوة الحريري: مناورة لتأجيل الإنتخابات؟
وصل “المغترب” سعد الحريري الى بيروت وفي جعبته الكثير من مشاريع “الإرباك والضياع”، هو ملك الخيبات دون منازع وله سجل بأرقام قياسية بعددها، وما فتئ يقدم المزيد والنوعي، فهل ستكون هذه الزيارة لبلده “الثاني”، لبنان، وداعية كرجل سياسي؟ أم مناورة تستجلب العطف وتؤجل الاستحقاق النيابي؟.
أحد الوجوه البيروتية الهادئة يقرأ في مسار الحدث والحزن يملأ وجهه “بالواقع الأمر لم يعد يتعلق بشخص سعد الحريري بل بوجود هذا البلد، قضايا الوطن الصغير أضحت ثقيلة، ولكن أكثر الأحيان المواصفات الشخصية تؤثر في مسار الأحداث وتلعب دوراً محورياً لا يمكن إغفاله”.
ويتابع “خطوة الرئيس سعد الحريري بالاعتزال أو الابتعاد طبيعية وهي نتيجة حتمية لمآلٍ متعرج خلال عقدٍ ونصف من مسيرة هذا الشاب، ودعني أوضح:
– الركائز الاساسية للزعامة في لبنان، أي زعامة، تقوم على مناصرين مرتبطين بشخص او بيت السياسي مع شبكة علاقات داخلية مدعومة بعلاقة متينة مع قوة خارجية نافذة وتكون أجهزة الدولة مطيّتها الخدماتية في تحصين الزعامة، فأي من هذه الركائز حصّنها وحماها سعد الحريري، ولنفقطها واحدة واحدة:
القاعدة الجماهيرية
1- العلاقة مع مناصريه شبه معدومة، فقد صنع بينه وبينهم مئة باب وبواب يفرضون الخوّات المعنوية والمالية والسياسية والخدماتية.
2- هل رأيت أو سمعت أن سعد الحريري جلس مع ناسه واهله مستمعاً لهمومهم ومحاولاً المساعدة ولو بالكلمة الطيبة بالحد الأدنى؟ هل رأيته مثلاً يزور مناطق أو أحياء بيروت إلا في جلسات التصوير والبروباغندا المصطنعة؟.
3- من هم فريق عمله وصلة الوصل بينه وبين الناس على ارض الواقع، واذا سلمنا جدلاً أنه مهدد أمنياً ولا يستطيع فعل كل ما سبق فهل وقف مرةً وراجع مسار فريق عمله وكيف هو أداءه؟
4- هل يمكن لزعيم أن يمتن قاعدته الشعبية وهو سائح في عواصم العالم ويعود للديار كزائر على عجلة من أمره؟.
5- تبديد الثروة ليس بخسارة المال فقط بل بعدم الخبرة في توزيع المهام على فريق العمل، فكيف خسر المال والكوادر معاً؟ يقال أنه قد جنى نحو 23 مليار دولار من السعودية وبعد تصفية ممتلكاته لم تكن من 3 مليار (سعودي أوجيه) فأين ذهب مبلغ الـ 20 مليار المتبقي؟.
6- كيف لزعيم أن يبقى قوياً وكل من عمل معه أصبح أكثر ثراءً منه، هو يتقهقر وهم يكدّسون الثروات، وأمثال نهاد المشنوق وفؤاد السنيورة ومحمد زيدان وجهاد العرب وسمير ضومط وغيرهم الكثيرين وصولاً لأشقاءه وشقيقاته وأبناء العائلة؟.
7- كيف لزعيمٍ قوي أن يرضى بوجود شخصيات محيطة به وتتمرد على مساره السياسي بفوقية وعنجهية ولا يبادر الى ردعها مثل احمد فتفت واشرف ريفي…؟.
8- كيف لزعامة أن تبقى وكل سياسيي لبنان يتطاولون على حركتها الداخلية ويقررون توجيه مسارها، والمضحك أن الحلفاء والخصوم يتشاركون هذا الفعل من نبيه بري ووليد جنبلاط وسمير جعجع إلى حزب الله وجبران باسيل….؟.
9- ألم يتنبه سعد الحريري لمساره المنحدر منذ عقدٍ ونصف وقد بدأ كزعيم للبلد دون منازع الى شخصٍ مجرد من اي عنصر قوة داخلي (بيته الداخلي مهزوز بالهجر والاستقالات والإقالات، والحلفاء يتطايرون زرافاتٍ ووحدانا وليس آخرهم خروج المقاومين الشرسين فارس سعيد واحمد فتفت باتجاه الجرود ومعاركهم اليومية لتحرير لبنان من الاحتلال الايراني).
10- كيف يمكن بقاء الزعامة وكل فريق عمل دولته يعيث فساداً أو على الأقل يكثر الحديث عن الصفقات في دائرته، فأي محاسبة او تصحيح قام به هذا الرجل؟
11- كيف لزعامة أن تصمد وصاحبها لا يقرأ ولا يتابع “وما الو خلق” على خزعبلات الصحافة والكتب والمقالات فكيف بمشاريع ودراسات وأفكار عميقة لبناء الدولة والمجتمع ويستبدلها بعدد من الصحفيين والصحافيات الاستعراضيين مهمتهم شفط المال ومراضاة الوالي؟.
12- أيضاً من علامات الموت أن يحمل السياسي أحقاداً ويبقى عندها ولو على باطل، والاحقاد تختلف عن الموقف السياسي، فكيف لمن يود بناء دولة وتصحيح مسار أن لا يكون ليّناً في التعاطي مع الآخرين وبعض المواقف عند سعد الحريري تقترب من الهزل في رفضه التواصل مع بعض الشخصيات وطي صفحات من الماضي.
ويضيف البيروتي العتيق “هذا غيض من فيض الأزمة الداخلية فكيف عندما نتحدث عن الأزمة الخارجية وقد دمر كل الحصون الخارجية الأساسية وأهمها مع حاضنته الأم المملكة العربية السعودية، لا أحد منا يعلم السبب الرئيسي للأزمة ولكن مسار الامور حتى الآن أصبح بشع جداً ويطال كرامة رئيس حكومة ووطن مهما كانت خطيئة هذا الشخص، وعليه، بأضعف الايمان، أن يتنحى ولا يأخذ وطنه معه رهينةً في مسار تنازلي مخطئ”.
ويردف بألم “الخطوة هذه لا يمكن أن تكون للاستعطاف وجذب الصوت الانتخابي، بل ستوصلنا لهدف رئيسي: تأجيل الاستحقاق الانتخابي وذلك بعد ان تنسحب القوى السياسية السنية من الاستحقاق فترفع القوى الاخرى شعار عدم تمكنها من العمل بغياب المكوّن السني في البلد وهذه المعزوفة ستدفع الجميع الى تقبل اعلان تأجيل موعد الانتخابات حتى تترتب الامور، وبذلك يكون الشيخ سعد قد أرضى الموقف السعودي وأجّل الاستحقاق الشعبي بانتظار ظروفٍ أفضل”.
ويختم بتنهيدة عميقة “يا ابني في فرق بين العمل الجدّي والتسلاية، أخونا سعد أخذ الأمور بسطحية مفرطة وبلامبالاة والثمن ستدفعه الطائفة السنية ولبنان، نحن اليوم بحاجة الى رجال دولة وعلم جهد، نحن في دولة منهارة تحتاج لعمل يومي لساعات طويلة وأفق رحب وعقلٍ راجح وترفّع عن الشهوات الذاتية…. وما زلتم تسألون لماذا إنتهى سعد الحريري سياسياً؟ وهل من إمكانية لخروج أي أرنب بلقاءه مع الرئيس نبيه بري؟…. يصعب ذلك ان لم يكن مستحيلاً”.