كفرسلوان… روعة الطبيعة تخرقها التفجيرات والسياسة… والانتخابات
ما إن تكتب كلمة “كفرسلوان” على محرك البحث “غوغل google” حتى تلمع أمامك صور مذهلة لجبلٍ مرتفع يحتضن مجموعة من البحيرات الصغيرة مع ألوان الطبيعة الزاهية والنباتات الساحرة عن كل فصول السنة، لكن بعدها مباشرةً تصدمك مجموعة من الأخبار والعناوين والصور عن تجاوزات بيئية خطيرة ينشرها بعض الناشطين وردود من البلدية ومهتمين آخرين حول المقالع والكسارات وقطع الأشجار. السؤال مشروع عما يجري في البلدة المتنية؟ وما هي الأسباب والخلفيات والنتائج؟.
أزمة “تحفير” مزمنة
تاريخياً، تعاني بلدة كفرسلوان من أزمة مزمنة مع الحفريات، وهي الواقعة في أعالي قضاء بعبدا وتمتد من حضن جبل الكنيسة الى أعالي قممه، وقد تحولت نعمة مساحات المشاع الضخمة جداً فيها الى نقمة منذ عقود، بعدما انتشرت على سفحها الكسّارات والمرامل ومقالع الحجر، وطغت على شهرتها البرّاقة بانتاج التفاح والكرز والفواكه اللذيذة والزراعات الفاخرة.
في تلك المنطقة يسود الحديث عن عشرات المقالع والكسارات والمرامل والستوكات موزعة بين كفرسلوان وجوار الحوز وترشيش والتويتة، وبين الفترة والأخرى تعود الأخبار لتتحدث عن عودة عمل الكسارات بطرق غير شرعية رغم ختم معظمها بالشمع الأحمر، وخاصةً تلك الواقعة في منطقة التويتة.
التويتة: بالإسم كفرسلوان وبالفعل زحلة
لمنطقة التويتة حديثٌ مختلف في المتن الأعلى، فهي أراضٍ مشاع لأهالي بلدة كفرسلوان ولكنها تقع في خراج قضاء زحلة في البقاع، حيث المجزرة البيئية في عمل الكسارات التي تزيد اعمال الحفر فيها عن ارتفاع 200 متر وعلى مساحات شاسعة، ويعود استثمارها المعروف لعدد من الأشخاص أبرزهم آل ابو حمدان والرياشي والتن.. .
اعتراض أهالي كفرسلوان لا يقتصر فقط على عدم قانونية عمل هذه الكسارات، بل على إجحاف الاتفاقية بين بلدية كفرسلوان والمستثمرين في مشاعات البلدة (وتعويضات الكسارات لا تدخل الى صندوق البلدية الا على شكل هبات وتبرعات ما يخفض من شفافية الموضوع ولا وجود لإيصالات رسمية ذات أرومة)، ويذهب البعض الى الربط السياسي بين قوى الأمر الواقع في المنطقتين أي بين الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل.
الواقع اليوم
في الاسابيع الماضية نشر الناشط البيئي سامي المغربي، ابن البلدة، صوراً ومقاطع فيديو لإحدى الكسارات وتحدث عن تفجير كبير جرى خلال العاصفة حتى يبدو وكأنه صوت رعد، وقال المغربي لـ”أحوال” أن “الصور والفيديوهات تظهر مخلفات التفجرات بمقالع كسارات التويتة بمادة الأمونيوم (تقدر بأكثر من 10 الاف كلغ) الواقعة على عقارات بلدة كفرسلوان المشاعية” متهماً الدولة بالتقصير “وغياب الأجهزة المعنية وتآمر بلدية كفرسلوان مع أصحاب الكسارات والستوكات”.
ويسأل المغربي “ما هي المواد المستخدمة في هذا التفجير ومن أين جيء بها؟ وما الذي يمنع إمكانية استخدام هذه المواد في الأعمال الإرهابية؟ وأين هيبة الدولة في تحدّي القوانين والتفجير على الرغم من إقفال كل المقالع والكسارات؟”.
من جهته يؤكد رئيس البلدية بسام حاطوم لـ”أحوال” على أن “العديد من الإشاعات ضد البلدية وشخصه تأتي في خانة الحرتقة السياسية والانتخابية المحلية” ولكنه يعود ليستدرك الأمر بالعودة الى الوثائق والمستندات.
يعيد “الريس” أزمة الكسارات والمرامل والمقالع في البلدة الى مرحلة “ما بعد الحرب، اي بعد توقف الفوضى حيث كانت تعمل دون مردود للبلدية، وبعدما لمس الجميع انها قد أضحت أمراً واقعاً يصعب ايقافه، بدأت المجالس البلدية السابقة تتقاضى رسوم مالية، ونحن بدورنا ضغطنا على أصحاب المشاريع لزيادة المبلغ والمزيد من المشاريع العامة خدمةً لأهالي البلدة مثل تمديد شبكة كهرباء جديدة وتأمين مولدات جديدة…”.
“وهل هذا الأمر يبدو كرشوة للسكوت عن تخريب كبير” يجيب حاطوم أن “التعديات علينا في المشاع كبيرة ونحن تقدمنا بدعاوى ونراجع الأجهزة الأمنية باستمرار ولكن هم أقوياء على ارض الواقع ولديهم السلطة ويصعب ايقافهم كلياً فلجأنا الى خيار الاستفادة منهم في تغطية العديد من الحاجات الملحة لأبناء البلدة، وفي الفترة الأخيرة حصلنا على مولد كهربائي منهم كجزء من التسوية معهم”، أما بخصوص التفجير فيؤكد أن “هذه مهمة القوى الأمنية كي تتحقق من حصوله وليس من اختصاص المجلس البلدي”.
ولا يخفي رئيس البلدية إمتعاضه الكبير من الحملات الاعلامية على فريقه، ويرد واعداً بمشاريع تنموية كبيرة مثل “العمل على تعزيز السياحة البيئية في المنطقة عبر استثمارات متخصصة وانشاء مدينة صناعية في هذه المساحات الفارغة وتأمين فرص عمل للشباب”.
وما قيل عن قطع أشجار بكمية كبيرة يؤكد أن البلدية “جاهزة للكشف عن كل التفاصل ونحن قد توقفنا عن العمل مطلع هذا الشهر بعدما انتهينا من قطع وتشحيل ما كنا قد حصلنا على ترخيص بشأنه من وزارة الزراعة، ووزعنا كميات كبيرة من الحطب على محتاجيها ضمن ايصالات وبونات رسمية ودون تمييز بين أبناء البلدة”.
خاتمة لا بد منها
بغض النظر عن الاتهامات والردود والنقاش الحاد، هناك حقائق ثابته لا بد من قولها:
– الأكيد أن في كثرة التحديات بين الأفرقاء قد يكون هناك من تجنٍ ولكن لا دخان بلا حطب.
– في حمأة الأزمات العامة في البلاد، وتجارب البلديات السابقة، ألم يعد من سبيل لتمويل الأحزاب السياسية سوى عبر استهلاك الموارد الطبيعية وأولها الكسارات والمقالع والمرامل؟ أليس في ذلك من تعدٍ على ثروة الأجيال المستقبلية؟ فهل تخرج ثروات كفرسلوان من دائرة شبهة الاستفادة السياسية خاصةً بين حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي؟ (وبالمناسبة فإن الحزب الاشتراكي هو المعني الأول في المنطقة والنائب هادي ابو الحسن يضع الملف البيئي على رأس أولوياته الانتخابية، كما رئيس الحزب، فكيف يتحول الى شريك او شاهد زور على الأقل).
أخيراً الحقيقة العلمية تقول أن مرتفعات كفرسلوان تدخل في المنطقة الجبلية التي تحوي مخزون مياه جوفية كبيراً، كما أنها يفترض أن تكون محمية بموجب خطة تنظيم الأراضي المقرّة في مجلس الوزراء باعتبارها قمماً جبلية، وما لم يتوقف النهش الذي تتعرض له هذه القمم، فإن تغييراً جيولوجياً سيحدث في المنطقة التي ستصبح مكشوفة على سهل البقاع، وهذا يعني تدمير الحاجز الطبيعي للغيوم الذي تشكله سلسلة جبال لبنان الغربية، ما سيؤدي إلى انخفاض نسبة المتساقطات والتعجيل في تغيير المناخ المتاثر أساساً بالاحتباس الحراري العالمي.
فمتى سنعود للحديث فقط عن بساتين كفرسلوان ومواسمها الرائعة وأشجارها المثقلة بالتفاح الأحمر التي تُروى من البرك الاصطناعية التي تختزن مياه الثلوج على ارتفاع 1800 متر عن سطح البحر؟.
عامر ملاعب