ميديا وفنون

فيلم «Don’t Look Up»: الضحك في وجه الكوارث

تخيّل أنك تتابع برنامجك الفني المعتاد مساءاً، وفي يدك هاتفك يظهر لك حسابك على مواقع التواصل الاجتماعي، مستعدًّا للتعليق على مجريات الحلقة، وفجأة يظهر أمامك عالمين وبطريقة متوترة يخبرونك بأن نهاية العالم بغضون أيام، وفي المقلب الآخر هناك خبر فنيّ هزّ العالم باعتزال فنان الغناء، ما الذي سيثير حفيظتك أكتر؟

هذا ما طرحه فيلم don’t look up  محاولاً ملامسة المشاهدين بتناوله قصة خيالية بقالب كوميدي حول أحداث لم تحدث حقاً، وبمعالجة تجعله من أكثر الأفلام واقعية اليوم. فيسلط الضوء على مدى جهل الشعوب وإنكارها للواقع، ومدى تلاعب السلطات وتجاهلها بالتواطؤ مع الإعلام  لأي شيء لا يخدم مصالحها.

 

 

 

ترامب وكلينتون أبطال فيلم هوليوودي

لم يلجأ المخرج ماكاي للتلميح بل ذهب للترميز المباشر، فكانت شخصية رئيسة الولايات المتحدة في الفيلم أورلين تمثل شخصية ترامب، مضيفا إليها بعضا من أسلوب دلال هيلاري كلينتون لإبنتها تشيلسي كلينتون والذي تمثّل بشخصية جونا هيل.

من اللافت في الفيلم الحبكة الساخرة التي طالت أصحاب القرار في الحكومة الأميركية، فنجد أن شخصية رئيسة الولايات المتحدة هزلية، فاسدة، ومستهترة بأمن ملايين الناس وحياتهم، وتعتمد بشكل أساسي على سياسة الترند التي يخطط لها بسذاجة إبنها رئيس أركان البلاد. وبالتالي نحن أمام منصبين مهمين وأساسيين بصناعة القرار ولكن من يتولون هذا المنصب ليسوا سوى أشخاص عديمي الفائدة، مرتهنين لشركات اقتصادية ضخمة، تتدخل بالسياسات والحكومات فبات صاحب القرار رجل أعمال الذي تمثّل بشخصية مارك رايلانس مالك شركة تكنولوجيا عالمية.

لم يكتفِ المخرج بتسليط الضوء فقط على الشخصيات السياسية بل طال الإعلام أيضا من خلال برنامج تلفزيون مشهور يمثّل واقعا برامج وسائل الإعلام المسائية، والتي باتت تركّز على الشخصيات والأخبار التي تستطيع أن تحدث ضجة على مواقع التواصل الإجتماعي.

 

أين الشعب الأميركي من كل هذه الأحداث؟

أثبت الفيلم أن الشعوب تستهويها الأمور السطحية ومحكوم عليها بالهلاك كجنس بشري. فالنتيجة هي نفسها، سواء كان فيروس قاتل أو كوارث بيئية أو الاحتباس الحراري أو مذنب قاتل سيصدم كوكبهم. سينتهي العالم، لكنهم سيهتمون لـ (ميم) مضحك أو انفصال مطربة (بأداء آريانا غراندي) عن حبيبها الموزع الموسيقي أكثر من اهتمامهم من بقائهم على قيد الحياة. وحتى عندما يدرك الشعب حقيقة ما يجري، فإنه ينقسم بين مصدق ومكذب للمسألة مع انتشار نظريات المؤامرة وحملة (لا تنظروا للأعلى) التي هي عنوان هذا الفيلم في تصوير لمدى إنكار الشعوب للواقع وإشاحة نظرهم بعيداً عما هو حقيقي وواضح  لو أمعنوا النظر حقاً.

 

ماكاي بين الوثائقيات والأفلام السياسية الساخرة

عند مشاهدة الفيلم تقع في حيرة حول ما إذا كان وثائقيا أم فيلما كوميديا، وبالفعل هذا ما يريده أن تقع فيه مخرج الفيلم آدم ماكاي، الذي يعمل على أفلامه وكأنها وثائقيات كوميدية تملك جماليات الأفلام التسجيلية مع إعطاء الأولوية الأساسية للرواية المباشرة والرسالة من الفيلم.

يتحدى ماكاي في فيلمه مفهوم القومية الأمريكية الراسخة حتى في عقول بقية سكان العالم الذين تأذوا وفقدوا بلدانهم بسبب تلك الأفكار الوهمية، وعلى الرغم من الراديكالية الظاهرية لتلك الفكرة إلّا أنّ المخرج الأميركي يمحور العالم كلّه حول الولايات المتحدة الأمريكية حتى في أثناء نقده اللّاذع لها، عندما تتحرّك قوى العالم فإنّ روسيا تفجر صاروخًا يؤدي لخسائر لوجيستية ولا ينجح في الوصول للهدف. مثل أي فيلم آخر يعظّم القدرات الأمريكية، فإن لا تنظر للأعلى يتعامل مع الأعداء أنفسهم بالطريقة نفسها لكنّه يضيف إلى ذلك فهمًا داخليًا لزيف البطولة الأمريكية.

 

رسالة ماكاي للجمهور انتبهوا للحقائق العلمية!

لم يأتِ الفيلم بشكل اعتباطي بل كان لسبب مهم جدًا وهو تنبيه الجمهور إلى ما يحدث حولهم من كوارث صحيّة وبيئيّة تهدّد حياتهم ولكنّهم لم يكترثوا لها حتى اللّحظة، أو لعلهم تغاضوا عنها  كوباء كورونا، لذا جاء ماكاي بمجموعة من أشهر وجوه هوليوود للصراخ مباشرة في وجوه المشاهدين ليقولوا لهم: “جميعنا سوف نموت إذا لم تعيروا اهتمامًا كافيًا”.

ربما كان سينجح ذلك إن لم يظن صنّاع الفيلم أنهم أذكى من الجميع، فلقد قضى الفيلم وقتًا في السخرية من الرؤساء ومن الإعلام ومن البيت الأبيض، لكنّه قضى وقتًا أطول في السخرية من فجوة الأجيال وطبيعة الشباب اللّامبالية، فكلّ ما يهمّ الشباب هو مواقع التواصل الاجتماعي وصناعة الميمز الهزلية والاشتراك في تحديات خطرة تتجاهل جدية ما تحتويه.

ولكن هل فعلا جيل الشباب يتعامل مع الأحداث المهمة والخطيرة بهذه السطحية دائما؟.

 

يحيى الطقش

يحيى الطقش

طالب لبناني يدرس الصحافة في كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى