منوعات
أخر الأخبار

لبنان ساحة صراع أميركي أوروبي ….هل يتكرّر سيناريو 1975؟

تحاول فرنسا الغائبة منذ مدة طويلة عن الساحة الشرق أوسطية العودة إليها اليوم من البوابة اللبنانية. ورغم الفشل بتشكيل حكومةٍ في لبنان، إلا أنَّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكّد استمرار المبادرة في مؤتمره الصحافي الأحد، ورغم مهاجمته المسؤولين اللبنانيين إلا أنّه كان ملفتاً إعطاؤه إيران صك براءة من إفشال تشكيل الحكومة برئاسة أديب والتلميح إلى الدور الأميركي.

 خلافٌ فرنسي – أميركي حول لبنان

الأمين العام للمؤتمر الدائم للفدرالية د. ألفرد رياشي اعتبر في حديثٍ لـ “أحوال” أنّ هناك خلافاً أميركياً فرنسياً على عدة ملفاتٍ في المنطقة، مثل ملف العلاقة مع إيران وملف دولة مالي (فرنسا تريد تدخلاً عسكرياً بينما أميركا ترفض ذلك) وطبعاً الملف اللبناني.
بينما ذهب المحلل السياسي والمتابع للشؤون الأوروبية رضوان قاسم إلى أبعد من ذلك، حيث قال لـ “أحوال” إنّه لا يمكن رؤية المبادرة الفرنسية من المنظور اللبناني الضيق فقط، فالأمر متعلّق بعدة عوامل وتغيرات حصلت في العالم والإقليم، وإنَّ الرئيس إيمانويل ماكرون هو فعلياً مفوضٌ من أوروبا كي يقود هذه المبادرة لحماية المصالح الأوروبية في المنطقة. وأردف قاسم قائلاً إنّه بعد انهيار الإتحاد السوفياتي منذ ما يقارب الثلاثين عاماً أصبح العالم ذا قطب أحادي يسير بالهواء الأميركي، مع تراجعٍ أوروبي عن الساحة السياسية الدولية بشكل واضح، أمّا اليوم ومع تصاعد النفوذ الصيني وعودة روسيا إلى الساحة الدولية، فقد بدأت أوروبا سياسة التمايز عن الأجندة الأميركية وفرض دورٍ لها في العالم الجديد.
الأمر الذي أكده رياشي حيث اعتبر أنّ لأوروبا مطامع اقتصادية ومصالح سياسية في لبنان والمنطقة تريد حمايتها.
في المقابل اعتبر قاسم أنَّ لبنان (بوابة الشرق الأوسط) هو المكان الوحيد الذي تستطيع أوروبا استعماله كمدخل لاستعادة نفوذها، بعد تراجع هذا النفوذ في كلٍ من أفريقيا والمغرب العربي. فلبنان، يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي كونه يشكّل المدخل إلى سوريا، التي سيبدأ إعادة إعمارها عاجلاً أم أجلاً، كما يطل على مكامن ثروات المتوسط من النفط والغاز. ولفت قاسم الى أنَّ الرؤية الأميركية في المنطقة هي من منظور المصالح الإسرائيلية فقط، بينما الرؤية الأوروبية موسعة بشكلٍ شاملٍ أكثر، حيث ترى أوروبا أنّه لا يمكن تجاوز الدور الإيراني في المنطقة، الذي أصبح نفوذه يمتد من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن والداخل الفلسطيني، وما اعتبار ماكرون في زيارته الأخيرة الى لبنان أنَّ حزب الله جزءٌ لا يتجزأ من الشعب اللبناني وله جمهوره وشعبيته وبيئته الحاضنة، سوى دليل على ذلك.
أما رياشي فرأى أنّه على رغم حرص أميركا على المصلحة الاسرائيلية، إلا أنَّ مصالح أميركا تأتي قبل كل شيء.

أميركا تعطّل المبادرة الفرنسية

أكد د. رياشي أنّه منذ البداية كان واضحاً عدم الرضا الأميركي على كيفية معالجة إدارة ماكرون للملف اللبناني، الأمر الذي عبّر عنه “صقور” الإدارة الأميركية علناً عبر وسائل الإعلام والقنوات الديبلوماسية.

ووافقه قاسم في هذه النقطة، حيث رأى أنَّ أميركا كانت واضحة بعدم موافقتها على مبادرة ماكرون، فهي أرسلت خلفه مبعوثين (دايفيد هيل ودايفيد شينكر) بعد كل زيارة، وبرسالةٍ واضحةٍ تجاه فرنسا لم يلتقِ شينكر بالمسؤولين السياسيين اللبنانيين، واقتصرت زيارته فقط على لقاء مجموعاتٍ من الحراك المدني، “وهذا يُعد اعتداءً على سيادة لبنان” برأي قاسم الذي قال إنَّ كلام الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز خلال مشاركته في أعمال الدورة 75 لانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 23 من الشهر الجاري وتهجّمه على حزب الله هو تكملة للأجندة الأميركية، وتأكيدٌ على عرقلة المبادرة الفرنسية من الخارج، هذا عدا عن العقوبات الأميركية على وزيرين من حلفاء الحزب.

أوروبا تطمح للخروج من العباءة الأميركية

أكد قاسم أنَّ أوروبا تريد الخروج من العباءة الأميركية، والأخيرة تلعب في وجهها ورقة تركيا، التي تُخيف أوروبا، ليس فقط لأطماعها في ثروات المنطقة، بل أيضاً كون أردوغان يحلم بإعادة أمجاد السلطنة العثمانية عبر أسلمة الدولة وتنصيب نفسه مرجعية التنظيم الدولي “الإخوان المسلمين” في العالم كله. لذلك، نرى هذا الاهتمام الأوروبي المكثف بلبنان، كونه موطئ قدم عودة أوروبا الى الساحة الدولية. واستطرد قاسم، إذا نجحت المبادرة الفرنسية فستنعقد مؤتمرات الدعم الأوروبي للدولة اللبنانية وتحصل على الأموال الموعودة بها من “سيدر” والدول المانحة، ولكن للأسف هناك أفرقاءٌ في لبنان يَتماهون مع المصلحة الأميركية على حساب بلدهم، ويساعدون الأميركي على العرقلة وهو أمرٌ تعرفه فرنسا جيداً، وربما لذلك لم تُعلن بعد موت مبادرتها في لبنان. وأضاف: أوروبا تستطيع المواجهة ولكن عليها الصمود بوجه الضغط الأميركي.

بينما اعتبر رياشي أنّه رغم الطموح الأوروبي بخلق دورٍ في المنطقة بشكلٍ عام ولبنان بشكلٍ خاص، إلا أنّ أميركا هي التي تملك النفوذ والقدرة على فرض المعادلات والشروط، ولن تتمكّن أوروبا من تخطيها، وما فشل المبادرة الفرنسية في لبنان سوى دليل على ذلك.

لبنان اليوم أصبح ساحة صراعٍ بين الدول العظمى مجدداً، الأمر الذي يُعيد اللبنانيين بالذاكرة إلى مرحلة ما قبل الـ 1975، على أمل أن لا يقود أحد الأطراف اللبنانية “بوسطة” جديدة تُعيد حمّام الدم الذي ما زالت جراحه تنكأ بالوطن وشعبه حتى اليوم.

محمد شمس الدين

محمد شمس الدين

كاتب وناشر على مواقع التواصل الإجتماعي ومعد برامج وتقارير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى