لماذا الكلام المضحك وقت الكوارث يعكس الفقر المُدْقع؟
من يتابع مضمون وسائل التواصل الإجتماعي والنوادر التي تُساق فيها عن الأزمات، يَظن أن اللبنانيين بألف خير وأنهم يعيشون في بحبوحة لا سابقة لها، في حين أن واقع الأحوال مختلف تماماً وينذر بكوارث معيشية وإجتماعية، تذكّر بالوقائع التاريخية التي قرأوها عن الحرب العالمية الأولى حين حلّت على اللبنانيين المزيد من الويلات إبتداء بـ”سفر برلك” حيث كانت السلطات العثمانية تسوق الرجال إلى الخدمة العسكرية المجانية، مروراً بشحّ المواد الغذائية بسبب الحصار العسكري، وصولاً إلى إنتشار حشرات الجراد التي أكلت الأخضر واليابس حتى بات العديد من الناس يموتون على الطرقات.
وإذا كانت النوادر المضحكة لدى الشعوب تعبّر في العادة عن أحوال من الرفاهية والرخاء، فقد جاء في مقدمة ابن خلدون: “إذا رأيت الناس تُكثر من الكلام المضحك وقت الكوارث، فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة واستعباد ومهانة، كمن يُساق إلى الموت وهو مخمور”.
للتذكير، إبن خلدون هو مؤرّخ عربي أندلسي الأصل، استقرّ في مصر وعمل على تأليف “كتاب العِبَر” عام 1377 ميلادية، حيث تناول بالدراسة تطور الأمم والشعوب ونشوء الدولة وأسباب انهيارها، مُرَكِّزًا في تفسير ذلك على مفهوم العصبية، فاعتُبِر أنه مُؤَسِّسٌ لعلم الاجتماع. وما زالت مقدمة ذلك الكتاب مرجعاً للعديد من الباحثين، ومحط اهتمام العديد من الكتّاب.
إذاً ما هي العوامل والمحفزات التي تدفع اللبنانيين إلى إطلاق النكات والنوادر على مدار الساعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كادوا يتفوقون على الشعب المصري الذي اشتهر بالفكاهة في ظل الظروف المعيشية الصعبة، وحتى في الحروب والأزمات الكبرى؟
“أحوال” سعى للإضاءة على هذا الحالة الإجتماعية/الأزمة، عبر آراء لمتخصصين ومتابعين، حيث رأت المتخصصة في العلوم الاجتماعية بدرجة دبلوم، مارتا الخواجا، أن “الإكثار من إطلاق النكات والكلام الانتقادي لما يدور في المجتمع في فترة زمنية محددة، هو نوع من الهروب من واقع معيشي واجتماعي مأزوم، وهي ظاهرة مجتمعية موجودة منذ القدم، فهذا النوع من اللجوء إلى ما يريح النفس الإنسانية إلى حدّ ما من خلال هكذا طرق، يعكس مدى الخضوع لا بل الخنوع للواقع الاجتماعي المزري الذي لا يرون سبيلًا للخروج منه”، مضيفة: “كما وأنه يعبّر عن الاستسلام أمام الصعاب والأزمات الإجتماعية، وهو يُعتبر وصمة عار لهكذا أجيال اعتقدت أنها عالجت أزماتها بالهروب منها إلى السخرية عليها، ولكن بالفعل إنها فشلت فشلًا ذريعاً وتركت صورة لمجتمع ممزّق من الصعب جداً أن يجد مخرجاً للتخلّص مما هو فيه من مآسي، وليس أزمات فقط”.
بدوره، المدرّس أنطون محفوض اعتبر أن “هذه الحالة تعكس في مجمل الأحيان أوضاع المواطن الذي يمر في حالة من الضياع نتيجة الأزمات المتراكمة التي لحقت به، إبتداء من فقدانه أمواله التي أودعها في المصارف، إلى حصره في منزله لا يقوى على التحرك نتيجة تفشي وباء كورونا، مضافاً إلى ذلك الحالات المعيشية والإجتماعية الخارجة عن المألوف، فلجأ إلى هذا النوع من الفكاهة للترويح عن نفسه”.
أما ربة المنزل أنطوانيت الخوري والتي تصنّف نفسها من الناشطين في تأليف وإطلاق النوادر والنكات عبر وسائل التواصل الإجتماعي، فتقول لـ “أحوال” إنها لا تخجل مطلقاً في ذلك لأنها تعتبرها متنفساً حقيقياً لها للتملص من حجم الأزمات التي نزلت على رؤوس اللبنانيين، وبإعتقادها أن أي إنسان سيحصر نفسه في تقييم الحالات التي تفرّخ من حوله، سيندفع إلى اليأس وربما الإنتحار إذا لم يعالجها بهذا الأسلوب من الفكاهة على أحوال لن تحسدنا عليها أي من الشعوب على وجه الكرة الأرضية، خاتمة بالقول: “ألم يصنّف لبنان من ضمن بضعة دول كانت من الأسوأ على صعيد الأزمات التي واجهته؟”.
الثابت أن العديد من المتابعين يؤكدون أن ما يحصل ليس حالة إجتماعية سوية، وإنما انحدار نحو الأسوأ من الأخلاقيات ولا سيما على المستوى المنحدر من طبيعة النكات التي تُطلق.
مرسال الترس