كباش على بيروت… وفرنسا تلوي الذراع الأميركي
منذ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت برزت بشكل واضح تساؤلات حول الموقف الأميركي من وضع يد فرنسية على لبنان. هذه التساؤلات لم تأتِ من فراغ، بل من واقع يقول إنّ المسعى الفرنسي الذي تجسّد بمواقف ولقاءات ماكرون في بيروت، أتت مناقضة للمواقف والخطوات الأميركية التصعيدية التي تجسّدت بحصار اقتصادي وعقوبات طاولت كل اللبنانيين. الخطوة الفرنسية تجاه لبنان، والتي كسرت ما سُمّي بالحصار، ربّما لم تكن ولن تكون بريئة، لكن من المؤكد أنها لم تتقاطع مع السياسة الأميركية في المنطقة، وأنّها ألزمت الأميركي على الدخول بكباش بارد مع الجانب الفرنسي مسرحه لبنان.
تباين فرنسي أميركي حول لبنان
يعيد مصدر دبلوماسي في بيروت التباين في الموقف بين الفرنسيين والأميركيين إلى رؤية فرنسية تعود إلى ما قبل 17 تشرين 2019، التي في المناسبة لم يخفها الفرنسي عن الأميركي. ففي حوار دار بين لجان منبتڨة عن القيادتين تناولت مواضيع مختلفة بينها النظرة إلى الشرق الأوسط ولبنان، أعرب الفرنسي عن وجهة نظر تقول إنّ الحصار على لبنان قد يساهم بإضعاف حلفاء المجتمع الدولي بشكل أكبر بكثير مما سيضر أفرقاء وجماهير الطرف المناوئ له والحليف لإيران. وجهة النظر هذه، أودت بالفرنسي ليلمس مؤشرات عليها بعيد ارتفاع سعر صرف الدولار في لبنان، فقالت تقارير دبلوماسية فرنسية أُرسلت من بيروت للإليزيه إنّ حزب الله ليس بوارد أن يُكسر على المديين القصير والمتوسط. من هذا المنطلق أتت الرغبة الفرنسية بالمبادرة تجاه لبنان، وهي كانت مقررة قبل انفجار الرابع من آب الذي لم يساهم سوى في تسريعها.
لبنانيًا، سارت الأمور كما يريدها الفرنسي حتى لحظة تسمية مرشحه مصطفى أديب لرئاسة الحكومة. برزت بعدها محاولات تعطيل شتّى لولادة حكومة الوصاية الفرنسية الأولى. هذا التعطيل لا تراه المصادر الديبلوماسية أنّ مصدره الثنائي الشيعي الذي أصرّ على حقيبة المالية بعد أن كان له في الحكومة الماضية القرار الكلّي بالتشكيل والتوزير، بل يرون أنّ العقدة في مكان آخر، تجسّد بإعتراض رؤساء الحكومات السابقين على مبادرة الرئيس سعد الحريري، والتي أتت بناء على تمنّي الإليزيه على الحريري المساهمة بتسهيل ولادة الحكومة. وبحسب مقرّبين من الحريري فإنّ موقف رؤساء الحكومات السابقين هو موقف غير منسّق مع الأوّل بتاتًا، وهو لا يعكس سوى اعتراض أميركي سعودي على شكل الحكومة ومضمونها في المباشر، وعلى الحوار الفرنسي مع حزب الله بشكل غير مباشر.
المبادرة الفرنسية باقية رغم التحدّيات
تخوّف كبير أصاب البعض لا سيما فريق الرئيس ميشال عون أن يقوم الفرنسي بسحب مبادرته نتيجة تعطيل جهود ولادة الحكومة، فيما تشير أجواء أخرى أشدّ واقعية أنّ الفرنسي بصدد القيام بخطوات عدة أتى من أجلها ماكرون إلى لبنان لا يمكن لها أن تتوقف نتيجة عراقيل طبيعية وبسيطة. أبرز هذه النقاط:
1 – رغبة الفرنسي بالإستثمار في إعادة إعمار مرفأ بيروت وإدارته وتشغيله.
2 – رغبة الفرنسي باحتكار تلزيمات التنقيب حتى آخر بقعة في البحر والبر اللبنانيين.
3- رغبة الفرنسي بالدخول إلى الشرق الأوسط من بوابة لبنان وهذا ما يفسّر تمايز أوروبي عن الولايات المتحدة فيما خص التعاطي مع الحالة الإيرانية، وهذا بدا جليًّا في مقاربة الإليزيه لمسألة التواصل مع حزب الله وإبرام شبه تسوية معه ومع حليفه الأساسي رئيس الجمهورية اللبنانية.
4- رغبة فرنسا بتحضير أرضية في لبنان تكون جاهزة حين تدعوها الحاجة لدخول سوريا من بوابة إعادة الإعمار عبر شركات خاصة أبدت فيما قبل رغتبها بالتواجد في المنطقة.
في هذا الإطار، يمكن إلتماس رغبة جدية لدى الفرنسيين بإستكمال مبادرتهم حتى تشكيل الحكومة وصولًا إلى ما بعد تشكيلها. ويبدو أنّ لبنان الذي افتقد للمرجعية الإقليمية منذ خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005 يدخل اليوم شيئًا فشيء في الجلباب الأوروبي وبرعاية فرنسية قد تمتد لسنوات. فرنسا نفسها التي أعربت دوائرها في أكثر من مناسبة أنّها تملك رؤيتين لا يمكن تبديلهما تجاه لبنان؛ عدم قدرة السلطة الحالية على حكم البلاد، وعدم وجود بديل متوفر كون الثورة الحالية لا تحوز على نسبة تأييد شعبي وافرة لتهزم أحزاب السلطة، فكان التدخلّ المباشر.
لا يريد الأميركي أن يخسر لبنان، وبالتالي لا يريد بالطبع للمسعى الفرنسي أن ينجح، في حين يبدو أنّ الفرنسي من خلال تشكيل حكومة برعايته ومن خلال تطبيع علاقاته مع حزب الله نجح بالفعل بلي الذراع الأميركي نوعًا ما في لبنان. فكيف سيكون رد الأخير وهل ستكون الورقة الأمنية هي الأداة التخريبية للخطط الفرنسية؟ لبنان يمرّ بفترة حاسمة ودقيقة.
ماهر الدنا