“المستقبل و”المردة”.. هل ينسحب التحالف النّقابي على التحالف الإنتخابي؟
أكثر من مؤشّر كشفت عنه نتائج الإنتخابات التي جرت أمس في نقابة محامي طرابلس بهدف انتخاب 4 أعضاء جُدد في مجلس النّقابة، مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، من بينهم نقيب جديد كان مسيحياً هذه المرّة خلفاً للنقيب محمد المراد المحسوب على تيّار المستقبل، وفق عرف مداورة المنصب ومناصفة الأعضاء منذ تأسيس النّقابة عام 1921.
أوّل هذه المؤشّرات أنّ الفائز بالمنصب كانت المحامية ماري تيريز القوّال، المحسوبة على تيّار المردة، والتي لقيت دعماً من تحالف واسع ضمّ تيّار المستقبل وتيّار الكرامة والجماعة الإسلامية والمؤتمر الشّعبي، مُسجّلة بذلك إنجازاً غير مسبوق، بكونها أوّل امرأة تحتلّ المنصب في مطلع المئوية الثّانية للنّقابة التي تُوصف بأنّها “أمّ النّقابات” الشّمالية وأقدمها، بحصولها على 624 صوتاً، مقابل حصول منافسها بطرس فضّول، المدعوم من التيّار الوطني الحرّ والحزب السّوري القومي الإجتماعي، على 328 صوتاً، في الجولة الثانية من الإنتخابات، بعدما كانت الجولة الأولى قد أسفرت عن تقدّم كبير أيضاً للقوّال التي نالت 675 صوتاً، بينما نال فضّول 372 صوتاً.
ثاني هذه المؤشّرات أنّ من أسمت نفسها “قوى التغيير” و”حَرَاك 17 تشرين” مُنيت بفشلٍ كبيرٍ، بعدما حصل مرشّحها طوني خوري على رقمٍ هزيلٍ من الأصوات بلغ 187 صوتاً فقط، قسمٌ كبيرٌ منها ناله نتيجة جهده الشخصي وعلاقاته العامّة، ما كشف ضعف هذه القوى، سواءً بفعل إنقساماتها الداخلية وعدم توحيد قواها، أو نتيجة عدم قدرتها على إقناع عددٍ كبيرٍ من المحامين والقوى في النّقابة بالتحالف معها أو دعمها، مقابل تأكيد الإنتخابات أنّ القوى السّياسية متجذّرة وقويّة جدّاً في النّقابات، ولا يمكن التغلّب عليها او تحجيمها بسهولة.
أمّا ثالث هذه المؤشّرات فكان سياسياً، وتمثّل في التحالف الذي نسجه تيّار المردة مع تيّار المستقبل دعماً للقوّال، وانضمام قوى سياسية أخرى إليه، وهو ما أثبت حضوره وتماسكه في مواجهة خصومهم، وتحديداً التيّار الوطني الحرّ والقوّات اللبنانية، بعدما لم يستطع فضّول الحصول على أكثر من نصف الأصوات التي نالتها القوّال، بينما حصل مرشح القوّات جوزيف عبدو على رقم ضعيف بلغ 207 أصوات، ما كشف أن أصوات الطرفين معاً، التيّار والقوّات وآخرين، لم يستطع الوصول إلى الأصوات التي حصّلها تحالف المردة ـ المستقبل وغيرهم، الذي كان متماسكاً، بينما لم يستطع التيّار والقوّات حشد تحالف خلف مرشحيهما، فضّول وعبدو، عدا عن أنّ خلافاتهما العميقة حالت دون تحالفهما معاً.
ما حصل في نقابة محامي طرابلس أمس طرح أسئلة حول مدى امتداد التحالف الذي قام بين المردة والمستقبل إلى الإنتخابات النّيابيّة المقبلة، بعد تقاربهما اللافت في الآونة الأخيرة، والذي مثّلت الإنتخابات النّقابية في عاصمة الشّمال إحدى محطّاته النّاجحة، في ظلّ حاجة كلا الطرفين إلى الآخر كحليف سياسي في الإستحقاق الإنتخابي العام المقبل، ما جعل مصادر سياسية متابعة تؤكّد لـ”أحوال” أنّ “التحالف بين تيّاري المردة والمستقبل أصبح تحصيل حاصل في خطوطه العريضة، وهو سيترجم بوضوح على الأرض في الإنتخابات النّيابيّة المقبلة، إلّا إذا حصل طارىء قلب الأمور رأساً على عقب”.
فتيّار المستقبل، وفق مراقبين، بحاجة إلى حليف مسيحي وازن بعد الخلافات التي نشبت بينه وبين القوّات اللبنانية التي أدّت إلى ابتعاد الطرفين عن بعضهما إلى حدّ الخصومة، وبعد التدهور الواسع بين تيّار المستقبل والتيّار الوطني الحر، والهوّة الكبيرة التي نشأت بينهما وجعلت ردمها صعباً للغاية، بعدما وجد زعيم التيّار الأزرق الرئيس سعد الحريري في زعيم تيّار المردة سليمان فرنجية حليفاً له مصداقيته ومواقفه الثّابتة.
أمّا تيّار المردة، حسب المراقبين أنفسهم، فيدرك أن تحالفه مع تيّار المستقبل يعزّز من حضوره السّياسي في السلطة، وفي الإنتخابات النّيابية، خصوصاً في الأقضية المتداخلة بينهما في الشّمال، وعلى وجه التحديد في دائرة الشّمال الثالثة التي في حال صبّت أصوات النّاخبين السنّة فيها المؤيدة لتيّار المستقبل لمصلحة لائحة تيّار المردة فإنّها سوف تعزّز حضوره في مواجهة منافسيه على السّاحة المسيحية، التيّار والقوات تحديداّ، وكذلك في دائرة الشّمال الأولى في عكار، ما سيعزز من فرص النّائب السّابق كريم الراسي بالتحالف مع لائحة تيّار المستقبل والفوز بالإنتخابات، وكذلك الأمر في دائرة الشّمال الثانية في حال قرّر تيّار المردة ترشيح أحد كوادره عن أحد مقعدَي الأقليات المسيحية في مدينة طرابلس.
عبد الكافي الصمد