رفع الدعم عن الدواء يُنذر بانهيار صحيّ
وكأنه حُكم على ذوي الدخل المحدود والفقراء في لبنان بالموت البطيء بعد الارتفاع الجنوني بأسعار الأدوية حيث لم يعد بمقدورهم شراء ما يلزمهم من أدوية في ظلّ انهيار اقتصادي وأزمة معيشية غير مسبوقة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات وعجز المواطن عن تأمين متطابات حياته اليومية.
الدواء للأغنياء فقط
كان من المتوقع عند الغالبية ارتفاع أسعار الأدوية ولكن لم يكن أحد يتوقع أن يرتفع بهذه النسبة، فبعد أن نشرت وزارة الصحة عبر موقعها الإلكتروني التسعيرة الجديدة للأدوية أُصيب المواطنون بذهول، وهذا ما قال. يقول المواطن يوسف أحمد لـ “أحوال”: أنا مصاب بداء السكري من النوع الأول ولا أستغني عن إبر الانسولين ويجب أن آخذ الجرعات بشكل دائم يومياً، كنت في السابق أشتري علبة أقلام Novorapid بسعر 90 ألف ليرة تفاجأت اليوم أن سعرها صار 305 آلاف ليرة أضف إلى ذلك أنني أحتاج أيضاً إلى إبر أنسولين أستخدمها ليلاً كان سعرها 100 ألف صارت 380، كذلك الأمر بالنسبة لأدوية الضغط ارتفع سعرها من 20 ألف إلى 90 ألف ليرة، ولأستطيع تأمين الدواء عليّ أن أتوقف عن شراء مستلزمات ضرورية أخرى أو أن ألغي اشتراك المولد الكهربائي الخاص لأعود واستخدم الشموع في ظل انقطاع الكهرباء، وتساءل أحمد هل المطلوب أن نموت ببطء كي يرتاح السياسيون في هذا البلد.
توفُّر الأدوية بعد ارتفاع أسعارها
عانى اللّبنانيون لمدّة أشهر من انقطاع الأدوية وعدم توفرها في الصيدليات، وليؤمن المريض الدواء يقوم برحلة طويلة بين الصيدليات كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، وفجأة بعد ارتفاع الأسعار بات الدواء متوفراً لكن ثمنه لم يعد متوفراً، والشركات انتظرت ولم تستورد الأدوية كافّة لمعرفة تسعيرتها وما إذا كانت ستبقى مدعومة أو سيُرفع عنها الدعم، أو بانتظار أن تقبض مستحقاتها الماليّة الماضية وفق الفواتير المقدّمة منها إلى مصرف لبنان.
ومع ارتفاع أسعارها، باتت الشركات المتخصصة تسلّم كميات من الأدوية المفقودة، نحو 80% بات متوفراً، والباقي ينتظر أياماً أو أسابيع.
الصيدليّات أسيرة شركات توزيع الأدوية
خلال أزمة انقطاع الأدوية كان المواطنون يصبّون جام غضبهم على الصيدليات حين يتوجهون لشراء الدواء ولا يجدونه، لكن المشكلة كانت في عدم تسلّمهم الأدوية من الشركات المستوردة، واليوم بعد توفّر الأدوية تحوّل غضب المواطن تجاه ارتفاع الأسعار، وهذا ما تؤكده الصيدلانية علياء حجازي بقولها: الصيدليات والمواطنون يدفعون الثمن، لأنّ الصيدليات ليست المسؤولة عن ارتفاع أسعار الأدوية، ومع هذا الارتفاع لم نعد قادرين على شراء كميات مثل السابق، مثلاً كنّا نشتري صندوق دواء الصداع “Panadol” بسعر 120 ألف ليرة واليوم صار سعرها مليون و800 ألف ليرة، كذلك الأدوية الأخرى وخاصة أدوية السكري والضغط، وهذا ما قد يدفع المريض إلى التوقف عن تناول الدواء أو اللّجوء إلى الدواء المهرّب للحصول على سعر أرخص.
انقطاع وارتفاع أسعار الأدوية انعكس أيضاً تقشفاً في المستوصفات الطبية والجمعيات الخيرية والصحية، التي كانت تقدم الأدوية للمرضى بأسعار رمزية، وجدت نفسها اليوم عالقة بين سندان شح الوزارة ومطرقة ازدياد طلبات المرضى، قد يستطيع الإنسان التخلّي عن كثير من الأشياء ولكن لا يستطيع أن يستغني عن الدواء، لقد حكموا على المرضى بالموت البطيء.
خليل العلي