هشام حداد لهون وبس.. سبع سنوات من “الكماخة”
مهرّج، مضحك، مقدّم، ممثّل، كوميدي. تسميات كثيرة التصقت به، فهو خليط من كل هذا معاً؛ ينجح أو يخفق بحسب قوّة “الادرنالين” الناشزة في شرايين الموضوع. هناك من يراه سيّد منبره في التهكّم والسخرية وخفّة الدم، ومنهم من يراه ثقيل مدع، لاذع، فارغ ومقيت. لكل مشاهد خلفيته وفكره في تقييم المحتوى الذي يُقدّم له ويحكم عليه بالرضى أو بالرفض. وهشام حداد يقع في هذا الشاقوف عند المتلقّي.
هو يُعتبر ناجحاً في برامجه لأنه صاحب شعبية تتابعه وتستظرفه، ويحقّق نسبة مشاهدة عالية؛ في حين أن العيب لو عُرض، ستجد له متابعين أكثر من الجودة والرصانة. إذن الشعبية هي الميزان الذي يعطي الضوء الأخضر لتبوء المنابر الإعلامية، بغضّ النظر عن المحتوى.
“الحرتقجي” و”لول”؛ بدأ من هناك حين كان يرمي نكاته الملغومة بالجنس، وفتحت له محطة الـOTV الهواء المرئي ليكون أوّل من تجرأ على كسر تابو الإعلام بتقديم برنامج يحكي من “الزنار ونازل” في “قفشات” هزلية لا تصحّ أن تُشاهَد في العلن، بل في خبايا المنازل المعتمة بعيداً عن مسمع الأطفال والناشئين.
ولأن كل جديد له رهجة، استمرّ حداد في استنباط ضحكاته وسخرياته وملقّساته، وعاش طويلاً حتى صار برنامجه “لهون وبس” معمّراً لمدة سبع سنوات عبر شاشة الـLBCI، وتوسّع في HiShow عبر “صوت بيروت إنترناشيونال” و”كلام هشام” عبر تلفزيون الآن الاماراتي. وبدون منّة أحد، هو فاتح عبّارة التهشيم والتقزيم والسخرية قبل أي أحد آخر، فعمره طويل في هذا المجال ويعرف كيف يدق أسافينه ليفجّر الضحك أو السخط أو الاشمئزاز.
حداد أتقن عمله وبرع في جمع زاده من أخطاء السياسيين والإعلاميين والفنانين وأصحاب القلم والحضور، وسخر منهم جميعاً، أحياناً بوجه حق أو بدونه، غير آبه لمكانة فلان أو تاريخه أو إنجازاته؛ فهو من خلف طاولة يستلقي عليها بطول جذعه مساء كل ثلاثاء، وبرفقة فرقة موسيقية في “لهون وبس” تعرفهم من شعرهم الأشعث وذقونهم الطويلة بما ينبئ بعصر الهيبي المتمرد على كل اتّزان.
يمتشق ضحكاته وحركاته محمّلاً إياها مضامين كانت قد شغلت الرأي العام، فرصدها وراح يربّي الخمير في العجين، ولم يسلم منه خير أو شر. في جعبته دوماً سكين لتقطيع رجال السياسة الذين لا يتوافق معهم، ويحذهم بسلاطة لسان وأداء تمثيلي يعلوه الهرج والمرج والنط والقفز وفتح الفم وتهدل الشفاه وفنجرة العين وجمود العنق بعد أن يشرئبّ، ولم يسلم أحد من منشاره. هشام لا يأبه إن كان سرواله “بنطلونه” مشدود الزنار على الخصر أم لا، فالقفز يتطلّب أن نشدّ “زنانيرنا” ولا نتركها تتهدّل عن خواصرنا، والشاشة تكبر كل شيء وتنشره أسرع من الضوء. لكن الهندمة الراقية لا يعوّل عليها هشام بل يضع ثقله في مبرد لسانه، فهو الناشط الذي يعرف كيف يفلش أوراق الجميع بطريقة بهلوانية، يُقال إنها ذكية لكن تعبق منها رائحة غير ذكية.
عرفنا هشام حداد خلال العامَين المنصرمَين كأحد قادة الثورة، يحكي ويرفع صوته، يقاتل بشراسة ويدافع عن مبادئ الوطن والوطنية ويبرش كل من يقف في وجه هذه المبادئ، ناكشاً في بعضهم ناقداً مراً، لاذعاً، غير آبه، فهو “الشاطر” الذي يتسلّح بشعبية تسمعه وتنصت له. لكن هو يعرف من يختار في هجوه (من هجاء)، ودوماً هو ذاك الشخص المحسوب على طرف دون الآخر، ما أفقده مصداقيته لدى الكثير من مَن لا يأخذون بخطّه السياسي.
تعمّقت أزماتنا وصار الشعب على الحديد، يُعاني ما يعانيه اجتماعياً، اقتصادياً، صحياً، مالياً وسياسياً. لا يوجد وجع إلا ويعيشه اللبناني، لكن هشام أمام كل هذه التحديات والمرارة، صمت صمتاً مطبقاً. وطل بعد موسم راحة في “لهون بس” حاملاً صمته وناسياً سكاكينه التي كان يُستحسن أن يستعمل بعضها في جزّ هذه الشوائب وعرضها كمادة تغسل وجعاً، ولو بسخريته المعهودة، لكن صمته كان مطبقاً، مكتفياً باستضافة ناشئين كانوا قد شغلوا مواقع التواصل الاجتماعي بنهفات على شاكلة “تي رارا” و”بسبوسة”.
يبدو هذا التنصّل والصوم عن طرح مواضيع سياسية واجتماعية في “لهون وبس”، له اعتبارات أخرى عند حداد؛ فربما النفعية تقتضي أن يكمّ فمه هنا ليفتحه هناك، وهو يجيد تقسيم كلامه وحضوره بين محطات عدة، كل محطة تستوجب أن يشقّ فيها ترعة بمنطق معيّن، فهنا يغسل غسيلاً وهنا ينشر حبقاً وهناك يضخّ سماً، وما بينها يرش “هضامته” إن سعفه السبيل. وحيث يجد منفعة، يطلق مواقفه السياسية.
هناك من يرى حداد مقدمًا دسماً، لكن السامع والرائي بات يعرف المستوى الذي يقف عنده؛ فهو لا يجيد سوى القهقهة، وكلما أُقفلت أمامه فتح مسالكه على الشيف أنطوان أو ذاك المقدّم على محطة الـOTV، أو الـMTV، وإذا نقشت معه خرق قوانين اللباقة ليتطاول على قامات لها مكانتها الإعلامية والدينية والثقافية.
أمثال هشام حداد ضخّمهم الإعلام حتى صاروا أعلاماً، لكن تحت خانة أبناء القهقهة التي لا تروي عطشاً ولا تُضيف على أمسيات الشاشة الفضية سوى جو من المرقعة الناتئة التي تهد ولا تبني.
كمال طنوس