ميديا وفنون

لانا مدور لـ”أحوال”: هناك مطابخ خفية تدفع رشاوى للفنانين والمثقفين والإعلاميين

أخشى محاورة جوليا بطرس ونعم أنا منحازة

منحازة للحق ولا تؤمن بالحياد تجاه المواضيع الوطنيّة الكبرى، وتشدّد على أنّ الموضوعيّة لا تعني الحياد مطلقاً.
في حديثها لـ”أحوال”، ترى الإعلامية لانا مدور أنّنا نعيش مرحلة ممسوخة، ما يحتّم علينا المواجهة بكل الأساليب المتاحة وعلى مختلف الأصعدة، أي المواجهة بالحقيقة في وقت تدفع فيه الرشاوى للإعلاميين والفنانين والمثقفين عبر مطابخ خفية تعمل ليل نهار من أجل تزوير التاريخ والثقافة..

نبادرها بالسّؤال:
-انضممت الى محطة الميادين منذ انطلاقتها وقد مر على ذلك عشر سنوات تقريباً. كيف تصفين تجربتك؟ واين تضعين الميادين اليوم بين المحطات الإخبارية العربية؟

تجربتي في الميادين كانت مثمرة ومتصاعدة. بدأت كمقدمة اخبار للنشرات الرئيسية ومحاورة ومقدمة برنامج، وهذا كان تقدماً كبيراً بالنسبة لي، ثم تدرّجت لأقدم البرنامج الذي كنت احلم به وهو المشهدية. حققت ذاتي مهنياً في الميادين، وتوفرت امامي فرص جيدة لأثبت موهبتي وأجتهد.

اما الميادين، فقد اصبحت من دون شك رقماً صعباً في الاعلام العربي. لها مكانتها وتأثيرها وجمهورها والأهم مدرستها التي تقوم على المصداقية والواقعية والأخلاقيات المهنية إضافة الى الالتزام الوطني الصادق.

بدأت بالحوارات والبرامج السياسية التي تحاكي المواضيع الإقليمية والعالمية. كيف تمكّنت من تكوين هذه الخبرات رغم صغر سنك؟

عندما انتقلت من تقديم برنامج صباحي إذاعي الى التلفزيون، لم أكن متعمّقة في السياسة الدولية. لذا وضعت هدفاً منذ اليوم الاول، أن أطوّر معرفتي بكل الملفات العربية والدولية. فوضعت برنامج قراءات مكثف، أصبحت اقرأ التاريخ والسياسة بمعدل كتاب كل اسبوع، واتابع الاخبار الدولية بشكل يومي، اشاهد الوثائقيات وابحث عن كل حدث او مصطلح جديد. هكذا بالتراكم، كونت سعة معلومات واطلاع جيدين مع الوقت.

انتقالك الى تقديم برنامج المشهدية الذي يعالج مواضيع مختلفة. هل تعتبرينه تطورا في مسيرتك؟

طبعاً هو تطور كبير، وكنت اتوق لتقديم هذا النوع من البرامج منذ زمن. على مستوى المضمون، البرنامج يبث خمسة ايام في الاسبوع، ما يعدّ تحدياً بالنسبة لي، لأنني لست فقط المذيعة او المقدّمة، انا المعدّة واؤدي دور المنتجة المنفذة له ايضاً. كما أنني مسؤولة عن المحتوى، ما يعني أنّي أدخل بكل التفاصيل وأحسم القرارات التنفيذية، انا ايضا مسؤولة عن تطويره وادارته. الفريق الذي نعمل سوياً، اصبح على بينة من النمط الذي اعمل به، والرؤية التي يسير البرنامج وفقها، وهذا ساعد البرنامج لكي يتطور، فأصبح لدينا الآن فريق عمل محترف يعمل بذهنية اخبارية مختلفة تماماً عن الذهنية المعتمدة في غرف الأخبار. بإختصار، طبقت في المشهدية رؤيتي الخاصة لطريقة تقديم الخبر للجمهور، اسلوباً ومضموناً وهوية.

طرحنا هذا السؤال لأن البعض يعتبر السياسة خصوصا في هذا الوقت اهم بكثير من المنوعات، بالتالي لا يرون في تجربتك مسارا تصاعديا؟

أولاً لا اوافق على التصنيف، كل نوع من البرامج له خصوصيته وصعوبته. ثانياً، المشهدية برنامج اخباري منوّع وليس برنامج منوعات. الجزء السياسي يأخذ نصف وقت البرنامج تقريباً. المميز في البرنامج هو ان الخبر السياسي يقدّم ويُحلل بأسلوب سلس وبسيط. اما الجزء الثقافي الفني والتكنولوجي، فهو يوسّع مروحة المتابعين ويجعل البرنامج شاملاً كاملاً. هذه التغطية الشاملة لمواضيع الساعة تحتاج جهداً مضاعفاً من المقدم واعدادا متقناً كي لا يأتي نجاح موضوع سياسي على حساب الثقافة مثلاً. وفق تجربتي، ووفق ما اسمع من المتخصصين ايضا، هذا النوع من البرامج صعب، ويحتاج سعة اطلاع واسعة ومتابعة دقيقة لكل الاخبار، فعليكِ ان تتعمقي بالخبر السياسي بالقدر نفسه كالخبر الثقافي والفني والعلمي وو…

اضافة لذلك، هذا النوع من البرامج يحتاج ان تبدلي شخصيتك وفق الخبر، ادائي خلالي تقديم المشهد الساخن يختلف تماماً عندما انتقل للمشهد الثقافي مثلا، لغتي ونبرة صوتي وكل شيء يختلف، كما ان تبسيط قضايا دولية معقّدة بأسلوب السرد القصصي الذي نعتمده في المشهدية ليس بالسهل. صدقيني كنت اجد تقديم نشرة الاخبار والحوار سياسي اسهل واقل جهداً، لذا تخليت عنهما لصالح تحدٍّ كالمشهدية.

بعد انفرادنا بنشر خبر انتقالك للإقامة في قبرص بسبب عمل زوجك السيد مارك زبال، فوجئنا بكمية تعليقات هائلة تنتقد قرارك؟

لأنني عملياً لم أهاجر. نحن نجري الحوار الآن في لبنان. لو كنت هاجرت، لكنت قلتها بشكل طبيعي وعادي.

انما صراحة، موضوع بسيط كهذا أخذ ابعاداً بسبب الكيدية السياسية ليس اكثر. المسألة واضحة، نحن انتقلنا للعيش في قبرص، على ان ابقى ازاول عملي في لبنان واتنقل بين البلدين. مصطلح الهجرة يعني ان ينتقل الشخص ليعيش كلياً في بلد آخر، لذا هو لا يصلح في حالتي. ثم انني اذا قلت امام العارفين انني “هاجرت الى قبرص” سيثير الامر سخرية! قبرص جزيرة تقع على بعد نصف ساعة فقط بالطائرة من لبنان. هل اذا انتقلت للعيش بدمشق مثلا، سأقول هاجرت الى سوريا؟! الامر مضحك فعلاً.

شنت عليك اكثر من مرة هجمات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب آرائك السياسية. هل تعتبرينها حملات موجّهة ؟

احياناً نعم، يُخلق جوّ في اوساط ناشطين من تيارات سياسية معينة تجاهنا، ونصبح في خانة المتهم وننتقد في اي كلام نكتبه حتى ولو كان منطقياً. فُسرت تغريداتي بغير مكانها، لذا وضعت بلوك لبعض من دأب على اعطاء كتاباتي معانٍ غير التي اقصد.

معروف انك مؤيدة لخط سياسي واضح في لبنان. الى اي مدى يؤثر ذلك على عملك؟ خصوصا ان الميادين كمحطة تدعي الحرص على الموضوعية؟

لا اؤيد خطاً سياسياً ولا حزباً. انا اؤيد خطاً وطنياً، يقوم على الاستقلال والسيادة، ونبذ الطائفية، والتماهي مع القضايا الانسانية المحقة على رأسها القضية الفلسطينية.
وهذا التوجه الذي اعبر عنه هو في صلب توجهات الميادين وميثاق تأسيسها. الموضوعية لا تعني الحياد. هي تعني ان تقدمي كل الاراء وتحترمينها وان تقولي الامور على حقيقتها، اما الحياد فنحن لا ندعيه وليس من نهجنا، نحن منحازون للحق بصلابة ولدينا ثوابت ومبادىء ندافع عنها. نهجنا واضح: لا نتدخل في الخلافات الداخلية للدول انما على المستوى الاستراتيجي العام، فنحن ندعم قيم الحرية والحق والتحرر وندافع عنها.

الا ترين ان على الاعلامي ان يكون موضوعيا وغير منحاز؟ فكيف الحال في بلد مثل لبنان تكثر فيه الانقسامات والآراء؟

الاعلامي يجب ان يكون منحازاً للحق ولا شيء سواه.

تحدث اكثر من اعلامي لبناني عن تلقيهم عروضا مالية كبيرة مقابل كتابتهم آراء معينة. هل لديك معلومات عن هذا الامر؟

سمعت ان هناك مطابخ خفية تعرض ذلك ليس فقط على الاعلاميين، انما على فنانين ومثقفين وممثلين ومؤثرين على مواقع التواصل.

ان كانت هذه الاخبار صحيحة فهي مؤشر خطير على واقع الاعلام اليوم. بمعنى اي اعلامي نصدق؟

الامر ليس جديداً ابداً. الجديد انه اصبح اكثر انكشافاً. المتلقي اصبح ذكياً للغاية وبإمكانه بحس نقدي ومراقبة بسيطة، ان يعرف اي اعلامي صادق واي اعلامي كذاب.

تضج مواقع التواصل الاجتماعي بكميات هائلة من الاخبار الكاذبة. بم تنصحين الناس كي لا يكونوا ضحيتها؟

التحقق من المعلومة من اكثر من مصدر. هذا ما نقوم به نحن كإعلاميين وهذا ما يجب ان يقوم به الناس ايضا. ولكن كما قلت مسألة ال Fake news

تشغل العالم اجمع، ليس فقط في العالم العربي، ضبطها صعب. المتلقي اصبح اكثر وعيا وفطنة من السابق لأنه اصبح على بينة من كواليس صناعة الاخبار الكاذبة واهدافها

المشكلة الاكبر التي نعاني منها هي ان تكذيب الشائعة يمر مرور الكرام؟

من يريد ان يعرف الحقيقة سيبحث عنها، ومن يريد تصديق الشائعة سيتمسك بها.

في كتاباتك عبر مواقع الاجتماعي حنين ومسؤولية تجاه فلسطين. لماذا؟

لأنني ابنة الجنوب اللبناني، عشت الاحتلال والانسلاخ عن الوطن. لا يمكن لمن يحمل هذا الارث الا ان ينحاز للانسان الفلسطيني الذي تُرك بلا بيت ووطن واوراق ثبوتية. ببساطة انا منحازة للإنسان الفلسطيني واعتبر هذه القضية هي قضيتي.

خصصت حلقات عدة عن مسلسل حارس القدس. ماذا تقولين عن هذا العمل واهمية توقيته؟

نحن نواجه اليوم معركة ثقافية لتزوير التاريخ والحقائق وتشويه الرموز. اي مساهمة ثقافية في تثبيت المفاهيم يجب ان ندعمها. حارس القدس اتى في هذا السياق، في زمن التطبيع ليحكي من خلال شخصية وطنية كالمطران كبوجي، تاريخ فلسطين الحقيقي.

بعد توقيع اتفاقيات سلام بين الامارات والبحرين هل تتوقعين ان تزخر الدراما العربية اكثر بمسلسلات على غرار مسلسل ام هارون؟

طبعا للاسف ام هارون كان البداية فقط.

حاورت عددا كبيرا من السياسيين والفنانين. في اي جانب ترتاحين اكثر؟

انا من النوع الذي يستمتع بأي حوار اجريه، لا اصنف الحوارات بهذا الشكل. المتعة التي اشعر بها عندما احاور لا توصف، اشعر بأن لدي جناحين واحلق. استمتع بأن اتكلم مع المشاهد، ان اخبره عن موضوع ما، ان اسأل الضيوف، ان اتنقل بالافكار، ان احلل، هذا عالمي الذي احب ان اعيش فيه دائماً.

من هي او هو الفنان الذي تتمنين محاورته؟

اتمنى محاورة جوليا بطرس واخشى ذلك الوقت عينه. اما خارج لبنان، فأنا اعشق منطقة البلقان وتاريخها لذا اتمنى مقابلة المخرج امير كوستوريكا. كذلك، اعشق التاريخ، لذا سأركز في المرحلة المقبلة على محاورة مجموعة من المؤرخين الذين احب ان اقرأ لهم. كما اتمنى ان نتمكن من السفر من جديد لأعاود مشاريع كنت جمدتها بسبب الاقفال وكورونا.

لماذا تخشين محاورة جوليا؟

لأنني أخشى محاورة شخصيات أحبها وأعرفها على المستوى الشخصي ومتأثرة بها.

هل من تجديد او تطوير في الفترة المقبلة لبرنامج المشهدية؟ ام انك تحضرين لبرنامح آخر؟

لا يمكنني ان اهدأ، لذا اقوم بتطوير المشهدية بصورة دائمة. هذا العام، حصلت امور كثيرة لم تكن في الحسبان، بعدها اتخذت قرارا بعدم التخطيط البعيد المدى. لذا سأترك ٢٠٢٠ تنتهي، لنرى الى اين ستأخذنا الرياح الجديدة في العام المقبل.

 

رولا نصر

 

 

 

رولا نصر

صحافية لبنانية تعمل في المجال الفني والاجتماعي منذ 1997. حاورت اشهر النجوم العرب وشاركت في تغطية كبرى المهرجانات في مختلف العواصم العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى