المبادرة الفرنسية مستمرة وعقوبات جديدة “أقسى” تطال الجميع
فيما أنظار اللبنانيين مصوّبة نحو الجهود الفرنسية والتطوّرات السلبية داخلياً، يتخوّف المواطن من تعثّر مساعي تشكيل الحكومة وما يمكن أن يعقبه من تداعيات على سعر صرف الليرة والأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة والمقلقة. الجديد اليوم هو الموقف الفرنسي الذي أعلن تأسفه من عدم التزام الزعماء السياسيين بتعهداتهم للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول تشكيل الحكومة للبدء بالاصلاحات.
وفي أجواء ملطّفة للموقف الفرنسي، أعرب قصر الأليزيه أنّ الأوان لم يفت بعد. إذا ما هو الوضع الآن، وما هي الرسالة التي تضمنها الموقف الفرنسي؟ وهل نعى الإليزيه اليوم المباردة الفرنسية؟
مرحلتان للمبادرة الفرنسية
الخبير في الشؤون الفرنسية والأوروبية، تمام نور الدين، يلفت لمرحلتين في المبادرة الفرنسية، مرحلة الترغيب ومرحلة الترهيب. ويقول إنّ إيمانويل ماكرون، وخلال زيارته الثانية لبيروت، طلب تشكيل حكومة مشترطاً اصلاحات في الفساد، وسمّى بالحرف التلزيمات، تدقيق مصرف لبنان، وملف الكهرباء، ملوّحاً بنفس الوقت بسيف العقوبات في حال لم تلتزم السلطات اللبنانية بذلك. من هنا، يعتبر نور الدين أنّنا لا زلنا في مرحلة الترغيب، حيث اجتمع الرئيس الفرنسي بفريق حزب الله ممثلاً بالنائب محمد رعد، لافتاً إلى اتفاق تام بين الطرفين الأميركي والفرنسي، إلاّ في ناحية حزب الله.
هذا، وتفيد معلومات خاصة لـ “أحوال” أنّ اجتماعاً جرى الليلة الأربعاء بين مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله عمار الموسوي والسفير الفرنسي برونو فوشيه، نقل من خلاله الموسوي موقف الثنائي الشيعي المصرّ على تسمية الوزراء والإحتفاظ بحقيبة وزارة المال. وأشارت المعلومات أنّ الفرنسيين أكدوا أن لا مشروع سياسي لفرنسا في لبنان، إلاّ بجمع اللبنانيين في حكومة واحدة.
وفيما تختلف فرنسا عن أميركا بتفريقها بين الجناح العسكري والجناح السياسي (الذي خلقته فرنسا)، يلفت الخبير بالشؤون الأوروبية أنّ فرنسا تطلب ثمناً مقابل التنسيق مع حزب الله، وهو التصرّف في الساحة اللبنانية، مشيراً إلى قدرة البلدين في التغيير بالشأن اللبناني في حال اتفقت أوروبا مع أميركا، “ما لم يُؤخذ بالحرب، يُؤخذ بالسلم”.
وتشير مصادر خاصة لـ “أحوال”، أنّ الخيار المرجّح هو أن يلجأ الرئيس المكلّف مصطفى أديب إلى الإعتذار والتوجّه إلى خيار تعوييم حكومة حسان دياب وتكليفها تصريف الأعمال بمفهومه الموسّع تحت عنوان “الضرورات تبيح المحظورات” والدعوة لعقد جسلة حكومية مطلع الأسبوع المقبل للعودة إلى معالجة الأزمات التي يواجهها البلد. في هذا السياق، يعتبر نور الدين أنّ مصطفى أديب مكلّف من فرنسا، ولم يأت لأنّه يمثّل الطائفة السنيّة، لافتاً أنّ فرنسا قد تتجه نحو سحبه من التشكيل.
وبظّل تصلّب موقف رئيس مجلس النواب نبيه برّي بالتمسّك بحقيبة وزارة المال، مسنوداً من حليفه حزب الله، يعتبر نور الدين أنّ موقف برّي هو واجهة تخفي وراءها مواقف مرعقلة، معتبراً أنّ العقوبات الأميركية على الوزير علي حسن خليل ليست سبب تصلّب برّي، بل هي المصدر الكاشف لعرقلة تشكيل الحكومة.
وفيما يحذّر محلّلون سياسيون من غاية التدخل التركي وتعزيز موقع تركيا في لبنان عبر المساعدات التي عرضها الوفد إثر انفجار بيروت، معتبرين أنّ تركيا غالباً ما تقوم بإرسال مساعدات لاستغلال عجز الدولة لرسم مخططاتها وتوسيع نفوذها والسيطرة على المرافق الحيوية في لبنان، لا سيّما المرفأ المورد الإقتصادي الأول في البلاد، والذي تمرّ من خلاله قرابة 70% من حركة التجارة الصادرة والواردة من وإلى البلاد، والذي حمّل بإنفجاره أعباءً اقتصادية جديدة على لبنان الذي يتخبّط في أزماته في ظل استقطاب سياسي حاد وتداخل أطراف إقليمية ودولية، يؤكّد نور الدين على ضرورة التخوّف من التدخل التركي الذي يمكن أن يشوّش على المباردة الفرنسية، في المقابل ينفي أن تكون هناك أيّ علاقة بالانتخابات الأميركية بعرقلة تشكيل الحكومة.
العقوبات الفرنسية الأقسى آتية
يؤكّد الخبير في الشؤون الفرنسية أنّ العقوبات الفرنسية آتية وهي أقسى من العقوبات الأميركية، وهناك آلية تعتمدها لا تشبه تلك الأميركية، مشيراً إلى نوعين من العقوبات الإدارية والقضائية:
العقوبات الإدارية تقضي بمنع الشخص من الدخول لفرنسا، حيث يتيح قانون دخول وإقامة الأجنبي بهذا الأمر، ويقضي بترحيل الشخص وايقاف تأشيرة الدخول الأوروبية الخاصة به (الشينغين).
العقوبات القضائية: صلاحىة التحقيق بالأموال والتي تطال أيضاً الاتحاد الأروروبي، وليس فرنسا فحسب.
ويلفت نور الدين إلى تميّز فرنسا بماكينة ضريبية، هي “الأعتى” في العالم وعمرها 1200 سنة، وهي ما يخشاها كل الفرنسيون من رئيس البلاد إلى المواطنين، وتتمتع بجهاز استخباري تابع لها، يرصد كافة الحوالات، لفتح أيّ تحقيق وتحريّات محتملة. وتستطيع فرنسا، بحسب الخبير بالشؤون الفرنسية، أن تطلب من الدول التي وقّعت معاهدات معها، أن تجمّد حسابات الذين تطالهم العقوبات. ويقول نور الدين: “المبادرة الفرنسية لا زالت في شقّها الترغيبي، ولم يبدأ جانب الترهيب بعد”، لافتاً أنّ عقوبات علي حسن خليل ويوسف فينيانوس هي البداية، وستطال الجميع، خصوماً وحلفاءً.
لطيفة الحسنية