منوعات

بالأرقام | تراجع قيمة الاستيراد في لبنان إلى النصف

فهلّ تغيّرت ثقافة الاستهلاك؟

يواجه لبنان منذ أكثر من عام أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، في ظلّ انهيار العملة الوطنية وعجز المواطنين عن تلبية حاجيّاتهم الأساسية. لكنّ هذه الازمة ليست وليدة لحظتها أو نتيجة حرب أو اضطراب ما، إنّما هي نتيجة حتمية لسنوات من السّياسات الاقتصادية الخاطئة والزّائفة القائمة على الاستهلاك فقط وانعدام الانتاج.

حجم الاستيراد تقلّص إلى النصف

صحيح أنّ جداول أرقام الاستيراد في لبنان للأشهر الثّلاثة الأولى من العام 2021 لم تصدر حتى اليوم، ولكن بالاعتماد على الأرقام التي أُقفل عليها عام 2020 يمكن القول بإنّ الاستيراد تراجع إلى النصف تقريباً، بحيث وصل الى نحو 10 مليار دولار مقارنة مع ما يقارب 20 مليار دولار في العام 2019.

ويشير الباحث في الشؤون الإحصائية عباس طفيلي لموقع “أحوال”، وبحسب جداول المقارنة التي أعدّها ولا سيّما للأعوام الخمسة الأخيرة، إلى أنّ التّراجع الأكبر كان في الواردات النّفطية بنحو 3 مليار و65 مليون دولار بعدما بلغت ذروتها في العام 2019 ب6 مليار و534 مليون دولار، وتُعدّ جائحة كورونا والإقفال العام الذي فرضته لعدة مرّات أحد أبرز الأسباب التي قلّصت من استهلاك المحروقات، الى جانب هبوط أسعار النفط عالمياً.

 

 مقارنة بين الاستيراد والتصدير وحجم العجز منذ العام 1990 وحتى 2020
مقارنة بين الاستيراد والتصدير وحجم العجز منذ العام 1990 وحتى 2020

التّراجع طاول أيضاً أجهزة التصوير الطّبية من 297 مليون دولار عام 2019 إلى 179 مليون دولار عام 2020. أما كلّ ما يتعلّق بالغذاء، ولا سيّما السّلع التي تدخل ضمن السّلة المدعومة، فقد شهدت تراجعاً طفيفاً يكاد لا يُذكر. في حين تراجع استيراد الألماس إلى 189 مليون دولار في 2020 من 333 مليون دولار في 2019، أما استيراد اليخوت فقد شهد تراجعاً كبيراً  إلى حدّ التّجمد منذ العام 2019 كما تراجعت قيمة استيراد السّيارات السياحية من 772 مليون دولار في العام 2019 إلى 210 مليون دولار في العام 2020، كما تظهر الأرقام تراجعاً في استيراد اجهزة الهاتف من 260 مليون دولار في 2019 إلى 65 مليون دولار عام 2020.

جدول حول قيمة المستوردات خلال السنوات الخمس الاخيرة
2016 2017 2018 2019 2020
المجموع  (مليون $) 19,118 19,583 19,978 19,238 10,933
حيوانات ومنتجات حيوانية (مليون $) 2016 2017 2018 2019 2020
 لحوم وحيوانات حية وأحشاء 449 466 572 458 406
أسماك (طازجة أو مبردة, شرائح ) 93 99 103 83 41
ألبان وقشدة وزبدة وجبن 296 319 360 301 194
منتجات نباتية وصناعة الاغذية(مليون $) 2016 2017 2018 2019 2020
خضار 163 182 122 134 142
فواكه 180 187 186 163 101
بن وشاي 100 124 120 116 81
قمح وشعير 133 152 149 140 155
ذرة 103 109 117 108 101
أرز 50 63 55 62 90
دقيق ونشاء 32 34 41 34 29
مكسرات 103 124 171 171 138
زيوت 157 164 156 125 144
سكر قصب 172 169 100 73 89
محضرات غذائية (سكاكرخبز وفطائر كحول) 958 943 1,001 908 624
تبغ 174 156 123 140 72
منتجات معدنية وكيماوية (مليون $) 2016 2017 2018 2019 2020
مشتقات نفطية 4,092 4,204 4,067 6,534 3,065
أدوية وأصناف صيدلانية 1,214 1,288 1,329 1,242 1,192
عطور ومستحضرات تجميل 229 243 254 218 116
ألبسة (مليون $) 2016 2017 2018 2019 2020
نسيج  وألبسة 597 607 587 479 198
أحذية 139 132 127 105 49
مصنوعات حجرية(مليون $) 2016 2017 2018 2019 2020
زجاج 113 122 126 95 114
حجر واسمنت 354 363 319 213 128
معادن ثمينة(مليون $) 2016 2017 2018 2019 2020
ماس 148 199 402 333 189
ذهب 995 646 687 484 514
أحجار كريمة 23 23 19 19 7
معادن(مليون $) 2016 2017 2018 2019 2020
حديد وفولاذ 788 840 856 552 195
نحاس 81 99 95 62 27
ألومينيوم 176 195 180 138 110
معدات نقل (مليون $) 2016 2017 2018 2019 2020
سيارات سياحية 1238 1305 1148 772 210
دراجات نارية 34 37 34 24 6
قطع سيارات 238 248 237 201 78
عربات لنقل البضائع 149 177 129 78 9
يخوت ومراكب 23 19 20 3 1
أجهزة بصرية وكهربائية (مليون $) 2016 2017 2018 2019 2020
آلات كهربائية 780 782 109 742 273
أجهزة تصوير طبية 282 307 316 297 179
أجهزة هاتف 117 115 259 260 65
 (مليون $) 2016 2017 2018 2019 2020
شامبو 52 56 61 47 29
معجون أسنان 17 19 20 16 5
معجون حلاقة 25 24 25 23 4
فوط صحية وحفاضات 58 59 66 62 56
أمواس حلاقة وشفرات 7 6 8 5 1
السلعة  (مليون $) 2016 2017 2018 2019 2020
نظارات واقية 11 12 11 8 2
ساعات يد 42 38 42 35 12
ألعاب أطفال درجات وسكوتر 52 53 50 40 8
ألعاب فيديو 9 14 10 5 1
السلعة  (مليون $) 2016 2017 2018 2019 2020
مَكَانِس وفراشي 14 12 12 10 3
أقلام حبر 9 8 7 7 2
أقلام رصاص 3 3 2 2 1
قداحات 5 4 4 3 2
غلايين 4 3 4 4 2
أمشاط ودبابيس شعر 4 3 2 2 1
السلعة  (مليون $) 2016 2017 2018 2019 2020
محضرات تلميع للأحذية 5 5 5 4 1
فحم خشبي 26 22 34 33 10
ملاعق وشوك 5 5 5 4 1
مكيفات 80 86 87 46 7
برادات وجلايات وغسالات ومسخنات ماء 183 194 187 140 23

 أيام “الحياة الزائفة” ذهبت دون عودة

يشير طفيلي إلى أن التّغيّر في نمط الحياة بدأ يشعر به الّلبناني منذ العام الماضي، بحيث انخفضت قيمة السّلع المصنّفة ضمن الكماليات إلى حدود 6 مليار دولار في العام 2020، الأمر الذي يُظهر أن الأعوام العشرة التي عاشها لبنان ووصل فيها حجم الاستيراد إلى اكثر من 20 مليار دولار، لم نكن بحاجة لها فعلياً وبالتّالي كنّا نعيش حياةً مصطنعة نتيجتها المتوقّعة الوصول إلى الوضع الحالي.

سياسة الاستهلاك دمّرت الصّناعة والإنتاج

ما الذي ينقص لبنان حتى يصل الى مرحلة تُنتج فيها مصانُعه ما يستورده من الخارج؟ سؤال يبدو مشروعاً في بلد يعاني ما يُعانيه من أزمات نتيجة سياسات انتهجت تدمير كلّ مقوّمات الإنتاج من صناعة وزراعة عبر تعزيز سياسة الخدمات والقروض والمساعدات الخارجية وحوّلت لبنان إلى أمة تأكل ممّا لا تزرع وتلبس ممّا لا تنسج.

ومن هنا يرجع طفيلي ارتفاع نسب الاستيراد خلال الاعوام الماضية إلى سببين:

  • أول محطّة كانت تثبيت سعر صرف الّليرة عند 1507 مقابل الدولار الواحد التي قام بها مصرف لبنان عام 1997، واعتمد منذ ذلك الحين استقرار الاقتصاد اللبناني على سعر صرف ثابت للدولار الأميركي، وحافظت البلاد على توازن هش بين مداخيلها واحتياجاتها (قام اقتصاد لبنان طوال السنوات الماضية على الخدمات، واعتمد بشكل كبير على مداخيل السياحة وعلى المساعدات الخارجية والقروض). وهو ما أدى إلى تدمير القطاع الصّناعي من خلال استيراد اي شيء حتّى أبسط ما يمكن إنتاجه محلياً.

وهنا يعطي طفيلي مثالاً عن صناعة القدّاحات، كانت كلفة تصنيع القدّاحة في لبنان تبلغ ألفي ليرة لبنانية في حين كانت تبلغ كلفة استيرادها دولاراً واحداً (أي ما يعادل 1500 ليرة لبنانية) أي أن القدّاحة المستوردة باتت تكلفة استيرادها أقل من صناعتها.

  • أما المحطّة الثانية، والتي يصفها طفيلي بالسيئة جداً هي عام 2002، عندما قرّر لبنان الدّخول بمعاهدة الاتفاق الأوروبي للتّبادل التّجاري الحرّ. حينها تقرّر تخفيض قيمة الجمارك على عدد معيّن من السّلع ولكن فجأة بدأت تدخل إلى البلد سلعٌ غير مجمركة، كالسّيارات مثلاً. وفي هذا الإطار، يلفت طفيلي إلى أن لبنان استورد سيّارات بقيمة 19.7 مليار دولار من العام 2002 إلى العام 2020، وإذا أضفنا إليها قطع غيار السّيارات نصل إلى حدود 25.4 مليار دولار بينما نحن بحاجة إلى مليار دولار فقط لإنشاء أفضل شبكة نقل عام في الشرق الاوسط.

 

الاحتياطي يتقلّص.. الحلّ برفع الدّعم

قد لا يختلف اثنان على أنّ السّلة المدعومة بصيغتها الحالية هي أسوأ قرار اتُّخذ، ولا سيّما بعد ما شهدناه من تهريب المواد المدعومة أو احتكارها. ومن هنا يرى طفيلي أن رفع الدّعم اليوم هو القرار الأفضل، على ان تُنفّذ بالاموال المتبقّية من الاحتياطي الالزامي لمصرف لبنان مشاريع ذات منفعة عامّة وتصبّ في صالح المواطن لا التّاجر ولكن كلّ ذلك يحتاج إلى قرار. فمثلاً يمكن حل مشكلة الكهرباء بملياري دولار فقط وبالتّالي توفير هدر وصل إلى 45 مليار دولار في هذا القطاع مشكّلا الباب الاكبر لاستنزاف خزينة الدّولة. كما يكفي مليار دولار فقط لدعم الصّناعة ومليار دولار وأقلّ لدعم قطاع الزّراعة، وبالتّالي إعادة عجلة الإنتاج غلى الدوران من جديد وتوفير فرص عمل للشباب.

أما النّقطة الثانية، فهي من خلال جعل الاستيراد (وإن كان عبر التّجار) لمصلحة وزارة الاقتصاد الّتي عليها أن تنشئ تعاونيات تموينية لبيع هذه السّلع حتى لا يُترك المجال، كما يجري حالياً، للتّجار لإحتكار المواد المدعومة والتّحكم بأسعارها. وعليه يرى طفيلي أن مجرد وجود هذه التّعاونيات في الأقضية الّلبنانية الـ26 ستُجبر مافيا التّجار تخفيض أسعارهم وتكسر تحكّمهم بالسّوق.

في المحصّلة، المطلوب من الدولة اللبنانية القرار بالتّغيير والسّعي لتخفيف الاعتماد على الخارج والتّمكن من تعزيز الانتاج لتحقيق الاكتفاء الذّاتي إن لم يكن في كل القطاعات على الأقل في أبسطها، وذلك عبر تحويل الأزمة إلى فرصة لتصحيح أخطاء الماضي. مثلا لماذا لا يُسمح باستصلاح أراضي “المشاع” من قبل المواطنين، التي بدورها ستخلق دورة إنتاج تبدأ بخلق فرص عمل وتنتهي عند سدّ حاجة السّوق المحلي وربّما التّصدير مستقبلاً؟

كلّ ما نحتاجه، مجرد تخطيط وقرار سليم بعيد عن المحاصصة والزبائنية وزواريب المصلحة الخاصّة.

منال ابراهيم

 

منال ابراهيم

صحافية لبنانية. تحمل الإجازة في الإعلام من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى