منوعات

التنافس الصيني الأميركي… مقاربة جديدة لقيادة العالم؟

لقد مرّ ما يقارب المئة يومٍ على وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السلطة، ولا تزال استراتيجيته الشاملة للصين قيد التقييم. ومع ذلك، تحاول الدائرة الأميركية تشكيل الإطار الاستراتيجي للصين، وتقترح أفكارًا مثل “التعايش والتبادل التنافسي”.

وعلى الرغم من أنّ إدارة بايدن لم تطلق بوضوح استراتيجية رسمية للصين، إلا أنّها اعتبرتها بالفعل أخطر منافس لها وأكبر اختبار جيوسياسي في القرن الحادي والعشرين.

تاريخ العلاقة بين البلدين

منذ كانون الثاني /يناير 1979، شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة والصين مستويات هائلة من التغيير الإيجابي والسلبي، ولكن في أغلب الأحيان كانت هذه التغييرات مفيدة. على الجانب الإيجابي، طوّر البلدان مجموعة متبادلة من العلاقات والتفاعلات في عدد متزايد من المجالات، من التجارة والاستثمار إلى التبادلات الاجتماعية والثقافية، فضلاً عن المبادرات المشتركة للتعامل مع التهديدات العالمية مثل تغيّر المناخ، انتشار أسلحة الدمار الشامل، والأوبئة.

ومع عودة واشنطن اليوم للإنضمام إلى الجهود الدولية لمكافحة تغيّر المناخ في عهد بايدن، أصبح لدى الولايات المتحدة والصين الآن مجال جديد للمنافسة – قيادة العالم من خلال درء كارثة بيئية.

في هذه العملية، أصبحت الصين أكثر اندماجًا إلى حدٍ كبير مع بقية المجتمع الدول؛ أكثر مراعاة للقوانين والمعايير والإجراءات الدولية؛ وأكثر انفتاحًا على مستوى النفوذ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، أكبر بكثير مما تم الحصول عليه قبل عام 1979.

وقد أدّت هذه التطوّرات إلى زيادة مستويات المعيشة بشكل كبير في الصين، وتحسين البنية التحتية الاجتماعية، وتوسيع نطاق حرية السفر والتعبير عن مجموعة متنوعة من الآراء، والمزيد من الانفتاح على التأثيرات الأجنبية من جميع الأنواع. إذ على فترات عديدة على طول الطريق، وفّرت التفاهمات بين واشنطن وبكين على وجه الخصوص زخمًا كبيرًا لمثل هذه المكاسب الصينية.

بالمقابل، ولما يقرب من عقدين قبل عام 1989، استفادت واشنطن من التعاون العسكري والأمني الوثيق مع بكين الموجّه ضد خصمهما المشترك آنذاك، الاتحاد السوفيتي. كان هذا التوافق الاستراتيجي الموجّه إلى موسكو أحد الأسباب الرئيسية لإنشاء العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وبكين، إلى جانب رغبة الولايات المتحدة في دمج الصين بالكامل في المجتمع الدولي، والإستفادة من السوق المحتملة الهائلة للبلاد.

قمة تغيّر المناخ

يوم الأربعاء الماضي، استضاف بايدن قمة مناخية افتراضية لمدة يومين حضرها 40 من زعماء العالم الآخرين، بما في ذلك الزعيم الصيني شي جين بينغ، الذي انتقد قبل ثلاثة أيام فقط من القمة، الولايات المتحدة “لتوجيهها للآخرين” في منتدى آخر.

وتدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بشكل سريع في السنوات الأخيرة. ولكن بالمقارنة مع التكنولوجيا والتجارة والجغرافيا السياسية والدفاع ومجالات أخرى من المواجهات الشديدة، فإن تغيّر المناخ هو قضية ساخنة تتيح المجال الأكبر للاتفاق والتعاون وربما حتى القيادة المشتركة على المسرح العالمي.

في قمة هذا الأسبوع، أعلن بايدن عن أهداف طموحة للولايات المتحدة، وتعهد بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 50-52٪ أقل من مستويات الانبعاثات لعام 2005 بحلول عام 2030. كما أعلن الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان عن أهدافهم الجديدة. في غضون ذلك، أعاد “شي” تأكيد تعهده من الصيف الماضي، بتحقيق ذروة الانبعاثات بحلول عام 2030، وتحقيق حياد الكربون في نهاية المطاف بحلول عام 2060.

وفي هذا السياق، قال لي شو، كبير مستشاري المناخ لمجموعة Greenpeace البيئية في بكين، إنّه من الصعب مقارنة أهداف خفض الانبعاثات التي حددتها البلدان المختلفة، لأن خطوط الأساس للتخفيض مختلفة.

وقال لي “الشيء الأكثر أهمية ليس إلى أي مدى تم قطع الوعد على الورق، ولكن إلى أي مدى يمكن تحقيقه في الواقع”.

لكن خلال خطابه، شدد “شي” على أن أهداف الصين المناخية هي مهمة ضخمة تتجاوز تلك التي قام بها نظراؤها الأكثر ثراءً وتطورًا.

وأكد “شي” لقادة العالم الآخرين، أنّ الصين ستنتقل من ذروة الكربون إلى حياد الكربون في فترة زمنية أقصر بكثير مما قد تتطلبه العديد من الدول المتقدمة، وهذا يتطلّب جهودًا شاقة للغاية من الصين”.

تجدر الإشارة إلى أنّ الصين والولايات المتحدة هما أكبر ملوّثين للكربون في العالم. يمثلان معًا ما يقرب من 45 ٪ من انبعاثات الوقود الأحفوري العالمية التي تعمل على ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي لكوكبنا، وفقًا لأحدث البيانات المتاحة. وتقارب انبعاثات الصين ضعف انبعاثات الولايات المتحدة، علماً أنّ نصيب المواطن الأميركي في المتوسط ​​أكثر من ضعف تلوث الكربون لدى المواطن الصيني.

وعندما يتعلّق الأمر بالتنفيذ الفعلي، فإنّ النظام السياسي الصيني القائم على حزب واحد ومن أعلى إلى أسفل يعني أنّه لا يتأثر بالدورات الانتخابية – على عكس الولايات المتحدة. وفي ضربة مبطنة لانسحاب إدارة ترامب من اتفاقية باريس، بدا أن شي أكد هذا الاختلاف، مشيرًا إلى أنّه لتحقيق حياد الكربون العالمي، يجب على العالم “الحفاظ على الاستمرارية، وليس عكس المسار بسهولة؛ ويجب علينا احترام الالتزامات، وليس الذهاب التراجع عن الوعود “.

القمة التي تقودها الولايات المتحدة اليوم هي الأولى من نوعها بين شي وبايدن منذ تولى الأخير منصبه. وقبيل الحدث، التقى جون كيري، المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للمناخ، مع نظرائه الصينيين في شنغهاي، حيث اتفق الجانبان على التعاون لمعالجة أزمة المناخ على وجه السرعة.

ولكن في حين رحّب قادة العالم بالتعاون المناخي – وهناك حاجة ماسة إليه من منظور عالمي- إلا أن هناك مخاوف من أن مثل هذا التعاون قد لا يكون قادرًا على الهروب تمامًا من تداعيات وتحديات هذه العلاقة الثنائية الساخنة.

إدارة بايدن لن تدخل في مواجهة مباشرة مع الصين

خلال فترة بايدن، سوف تتعايش المنافسة والتعاون ويصبحان الوضع الطبيعي الجديد في العلاقات الصينية الأميركية. إنّما على الجانبين، التأكد من أنّ المنافسة صحية وعادلة وأن يحددا القواعد والوسائل والخط الأساسي للمنافسة. كما ينبغي تعزيز التواصل لتخفيف الشكوك وإثارة مخاوف معقولة، بالإضافة إلى التفكير وتصميم الإطار الاستراتيجي للعلاقة الثنائية دون الوقوع رهائن لمشتتات المنافسة الاستراتيجية.

لذلك، لا ينبغي لإدارة بايدن أن تصبح “مغرورة” وتنغمس في منافسة استراتيجية محصلتها صفر. وبدلاً من ذلك، ينبغي أن تشارك في صنع سياسة عقلانية وأن تركز على التعاون.

رغم ذلك، يمكن ملاحظة أنّ فريق بايدن أكثر خبرة وعقلانية من فريق ترامب. فعلى الرغم من أنّ إدارة بادين تعكس تفكير ترامب في العلاقات الصينية الأميركية، إلا أنها تعتقد أن العلاقات لا ينبغي أن تنزلق إلى مواجهة مباشرة، أو أنّ كليهما سيتحمل العواقب السلبية.

هذا، وتثبت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الأميركي بايدن، والمحادثات الثنائية في أنكوريج، وزيارة المبعوث الأميركي للمناخ جون كيري إلى الصين أن كلا الجانبين على استعداد لتعزيز التواصل بين البلدين. كما يظهر أن الولايات المتحدة تريد التعاون في الأجندات الإقليمية والعالمية، والذي من المتوقع أن يساعد في تخفيف التوترات بين البلدين. فهل تخطط واشنطن/ بكين لقيادة العالم، تكون باكورتها “قمة المناخ”؟

 

 

 

 

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى